للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا إن لم يكن النّهي راجعًا إلى نفس المنهيّ عنه، ولا إلى معنى متّصل به حتّى يصير كحرمته، فإنّه لا يرفع الفعل من أصله ولا وصفه الشّرعي المختصّ به.

فهذه ثلاثة أقسام:

مثال الأوّل منها، وهو ما يعود إلى عين المنهيّ عنه، بيع سلعة دم (١) أو ميْتة، فإنّ ذلك منهيّ عنه. وهذا النّهي لمّا رجع إلى العين أبطل العقد من أصله، ورفعه حتّى لا يصحّ الملك به.

ومثال الثّاني إذا باع بخمر أو خنزير، فإنّ الخمر والخنزير فيهما معنى الماليّة، ولكنّهما لا يتقوّمان في الشّريعة، ولا قيمة على المسلم إذا أتلفهما على مسلم. وكأن كونهما مِمّا يتقوّمان وصف زايد على المعنى الذّاتي وهو الماليّة، فإذا بيعت بهما سلعة انتقل بهذا العقد ملك السلعة، وبطل العقد فيهما، وصار كالثّمن المستحقّ، فإنّ استحقاقه لا يمنع من كون السلعة المستحقّ ثمنها انتقل الملك فيها, ولكن منع النّهي وصفًا من أوصاف هذا العقد وهو الصحّة والجواز، ولم يمنع ما يعود إلى ذاته وهو كون حقيقة البيع المعاوضة عن مال بمال.

ومثال الثّالث: بيع وقت الجمعة، فإنّه لا يمنع عندهم انعقاد البيع ولا صحّته, لأنّ النّهي لم يعد إلى عين المبيع ولا إلى معنى متّصل به، وإنّما عاد إلى معنى منفصل عن العقد وهو الاشتغال عن صلاة الجمعة، حتّى لو باع في طريقه إلى الجمعة ولم يشغله البيع عنها، فإنّه لا يمنع من ذلك. ولو اشتغل بغير البيع من المباحات لمنع من ذلك. فلم يؤثّر هذا النّهي في صحّة العقد، كما لم يؤثّر النّهي عن الصّلاة في الدّار المغصوبة في إجزائها, لكون النّهي تعلّق بمنع اشتغال الغير بأن يشتغل كلّ صلاة أو غيرها (٢). وأيضًا فإنّ أصل البيع الجواز


(١) في المدنية: بدم.
(٢) هكذا في النسختين، والمعنى: على منعه إشغال ملك الغير بالصلاة أو غيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>