هبة أو اشتراء أوردت عليه بعيب، فإنّه ذكر في المدوّنة اختلافًا في هذا، وأنّ ابن القاسم يرى أنّ حكم الفوت قد ارتفع لمّا ارتفع حكم البيع الّذي وقع من المشتري. وأن أشهب يرى أنّ حكم الفوت لم يرتفع لمّا لم يرتفع، عنده وعند ابن القاسم، حكم الفوت بارتفاع تغيّر السوق وكون القيمة لزمت، فلا يرتفع ما لزمه بارتفاع سببه. وقد أكثر المتأخّرون الاعتذار عن ابن القاسم في تفرقته بين هذين السببين المفيتين.
فرأى أنّ المفيت إذا كان تغيّر السوق ثمّ ارتفع، فإنّ حكم الفوت لا يرتفع. وإن كان السبب المفيت عقد بيع صحيح، ثمّ ارتفع، فإنّ حكم الفوت يرتفع. فأشار الشّيخ أبو الحسن ابن القابسي، رحمه الله، إلى أنّ السوق إذا تغيّرت ثمّ عادت، فإنّ السوق الثّانية ليست هي السوق الأولى بعينها وإنّما هي مثلها، والسلعة الّتي اشتريت شراء فاسدًا، فإنّا نقطع قطعًا أنّ المبيع بعينه عاد على ما هو عليه؛ فلم يؤثر سبب الفوت لمّا ارتفع ارتفاعًا مقطوعًا به. وكأنّه، رحمه الله، يشير إلى أنّ عدم اليقين والقطع على كون السوق الّتي تغيّرت ارتفع (١) تغيّرها يمنع من ارتفاع حكم الفوت، والقطع على أنّ السلعة المبيعة بعينها، عادت، تقتضي ارتفاع سبب الفوت. وهذا الّذي قاله لا يشفي الغليل.
وذلك أنّ البيع هو المفيت لهذا الّذي اشتُرِي شراء فاسدًا، ونحن نقطع قطعًا أنّه قد وقع، فلا معنى للتعرّض إلى كون السلعة بعينها عادت لأنّ نفس السلعة وعينها ليس هو السبب المفيت، وإنما المفيت بيعها، فلا فرق بين سوق تغيّرت ثمّ عادت، أو سلعة بيعت ثمّ عادت، بل ربّما قيل: إنّ التغيّر المفيت قد لا يقطع به ووقوع البيع مِمّا يقطع به في الظّاهر المحسوس.
وسلك الشّيخ أبو عمران، رحمه الله، قريبًا من مسلكه فقال: السلعة الّتي بيعت بيعًا صحيحًا وقد اشتريت شراء فاسدًا، يجب نقض البيع الفاسد الّذي وقع فيها, ولكن يد المشتري شراء صحيحًا صارت حاجزة بيننا وبين ردّ هذا