للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال بعض الأشياخ: إنّ مقتضى القياس ما قاله أشهب لكون العُهَدِ اختلف محلّها باختلاف هذه البياعات. واختلاف العهد، وتبدّل الأملاك أولى أن يكون موجبًا للفوت، ولا يقدّر السبب المفيت كالمرتفع. ألا ترى أنّ من باع سلعة بثمن إلى أجل، ثمّ باعها، ثمّ اشتراها وفلس، فإنّ البائع منه الأوّل لا يكون أحقّ بها من الغرماء، وإن كانت عينَ السلعة، لمّا تخلّل ذلك اختلاف العُهَد وتبدّل الأملاك.

وإذا تقرّر هذا، فإنّ بعض الأشياخ مال إلى افتراق حكم الأسباب الّتي رجعت السلعة بها إلى يده، فقال: إذا ردّت عليه بعيب ينبغي ألاّ يمنع ذلك الفوت, لأنّ البيع قد انتقض من أصله حتى كأنّه ارتفع، لا سيما على أصل أشهب الذي يرى أنّ الرّدّ بالعيب كنقض بيع. وقد جمع في المدوّنة هذه الأسباب على حكم واحد، فقال: إن اشتراها أو ورثها أو وهبت أو ردّت عليه بعيب. وهذا الّذي قاله في المدوّنة إنّما يحسن إجراؤه مجرى الشّراء على القول بأنّ الرّدّ بالعيب كابتداء بيع.

وعلى هذا التّوجيه والأسلوب الّذي ذكرناه تجري بقيّة فروع هذا الباب، مثل أن يشتري عبدًا شراء فاسدًا ثمّ يدبّره أو يعتقه فيردّ غرماؤه تدبيره وعتقه، فهل يرتفع حكم الفوت بردّ الغرماء بسببه؟ في ذلك قولان. وهكذا يجري الأمر فيه لو سافر به ثمّ عاد، أو مرض ثمّ صحّ، أو طرأ عليه عيب ثمّ زال، أو أجّره، أو رهنه ثمّ افتكّه بالقرب، فإنّ هذا كلّه يجري على القولين. هذا إذا سافر به سفرًا يكون مفيتًا. وقد تكلّمنا على حكم نقل العبيد من بلد إلى بلد. وقد ذكر في المدوّنة في هذا الكتاب أنّ من باع ثمرة قبل الزّهو فجدّها مشتريها قبل الزّهو، أنّ البيع جائز إذا لم يشترط التّبقية.

وقد ذكرنا نحن فيما تقدّم كلامُنا عليه في كتاب السلم أحكام بيع الثّمرة قبل الزّهو بشرط التّبقية أو بشرط الجذاذ إذا وقع العقد عاريًا من هذين الشّرطين.

<<  <  ج: ص:  >  >>