للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفسخ لم يفد. وقيل: يجوز له ذلك.

وينبغي أن ينظر في إسقاط هذا الشّرط إذا مضى من أمد الخيار ما لا يجوز أن يشترط، هل لا يؤثّر إسقاطه لكون الفساد قد حصل بطول الأمد، كأحد القولين في إسقاط السلف المقارن للبيع بعد أن قبض؟ هذا ينظر فيه على الطّريقة الثّانية الّتي أشرنا إلى تخريجها من مسئلة السلم الفاسد. وأمّا على طريقة القاضي أبي محمّد عبد الوهاب فلا فرق، على مقتضى تعليله بين إسقاط الشّرط وقد مضى من الأمد قليل أو كثير. ولعلّنا أن نعيد الكلام على المسئلة في كتاب بيع الخيار.

وذكر القاضى أبو محمّد في فصل بعد هذا آخر ذكر فيه فروع ما يرجع إلى الحال الّتي وقع فيها العقد. قال: منه البيع يوم الجمعة بعد النّداء مِمّن تلزمه الجمعة أو أحدهما، فيفسخ إن وقع.

فاعلم أنّ الله سبحانه قال في كتابه {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (١). فإنّ هذا البيعُ المنهيّ عنه. فاختلف المذهب، هل يفسخ أم لا؟ ثلاثة أقوال: فالمشهور وهو المذكور في المدوّنة أنّه يفسخ. وفي المجموعة أنّه لا يفسخ. وفي ثمانية أبي زيد أنّ عبد الملك بن الماجشون فسخه في حقّ من اعتاد ذلك، وتكرّر منه، ولم يفسخه في حقّ من لم يتكرّر ذلك منه.

وسبب الاختلاف في فسخه أنّ هذا بيع نهى الله تعالى عنه. فإن قلنا: إنّ النّهي لا يدلّ على فساد المنهيّ عنه، لم يجب الفسخ على ظاهر ما في المجموعة وبه قال أبو حنيفة والشّافعي. وكذلك إن قلنا: إنّ النّهي يدلّ على الفساد إذا تعلّق بالذّات المنهيّ عنها أو بخاصّيّة من خواصّها اللاّزمة لها، وأمّا إن تعلّق بأمر خارج عن هذين، فإنّه لا يجب الفسخ، فإنّ مقتضى هذا المذهب لا يفسخ البيع المعقود بعد النّداء لصلاة الجمعة، لكون هذا النّهي نهيًا


(١) سورة الجمعة: ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>