أيضًا أن يكون له غرض صحيح في الإمتناع من هذا لما يتكلّفه من حراسة العبد وما يتخوّف من أذاه. فإذا اتّضح أَلَاّ غرض يفرّق بين الرّهنين، لم يكن للخلاف الّذي ذكرناه وجه سوى ما تقدّم ذكرنا له فيما سلف من اشتراط ما لا يفيد في البياعات، هل من حقّ من اشترطه أن يقضى له به أم لا؟ وإذا وقع الرّهن على وجه جائز، ووجب إيقاف المبيع لغيبة الرّهن، وحدث بالمبيع عيب، فأراد مشتريه أن يقبله بعيبه لئلاّ يكون خسر الثّمن والمثمون، ومنعه البائع من ذلك، واتّهمه أنّ رضاه بالمبيع لأجل نفي الخسارة عنه، لجرى ذلك على القولين في الثّمن الموقف لأجْلِ أنّ المثمون غائب، مِمّن يكون ضياعه؟ على حسب ما سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. وأمّا إذا كان الرّهن أو الحميل غير معيّنين، فإنّ المشتري يجبر على إحضار رهن يكون توْثِقة بالحق، أو حميل كذلك. فإن امتنع فتنازع فيه المتأخّرون، فقال بعضهم: يحبس في الحميل، لإمكان أن يكون يعلم من يتحمّل به إذا سأله في ذلك، فلا يسأله, ونحن لا نعلمه. وأمّا الرّهن فإنّه لا يحبس فيه لإمكان أن يُكشَف عن صحّته (١) ما ادّعاه باختبار كسبه والإطّلاع على ما عنده ومنهم من استنكر هذه التّفرقة وتعلّق بما وقع في المدوّنة من قوله: إنّ الرّهن كالحميل.
ومنهم من صرف ذلك إلى الإجتهاد. فإن كان الظّاهر أنّه لَدَّ في ذلك حبس. وإن كان الظّاهر عجزه، كما ذكرنا، لم يسجن، واستُظهِر عليه باليمين.
وقد أشرنا إلى أنّ الرّهن إذا هلك بعدَ القبض، لم يلزم الرّاهن خَلَفه لكون الرّاهن قد وفّي بما عليه من دفع التّوثقة، فلا مطالبة عليه بضمان ما وفّى به.
وأمّا إذا كان الرّهن غير معيّن، فإنّه إن دفع رهنًا وهلك بعد القبض، فإنّه قد تنازع في ذلك المتأخّرون: هل يصير كالمعيّن بهذا التّسليم والقبض فلا يلزم خلفه؟ أو يلزم خلفه كما يلزم خلف دابّة سلّمت في كراء مضمون؟ وتعيّنها