للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشهور راويه بالصدق والعدل. ولما رأى مالك رضي الله عنه والجمهور من العلماء اختلاف هذه الظواهر، صاروا إلى تأويلها. ورد بعضها إلى بعض لئلا تتناقض أدلة الشرع. فنوعوا النوم نوعين: أحدهما خفيف لا يغمر العقل ويذهب بإحساس أدنى حركة. وهذا لا ينقض الوضوء وعليه تحمل الظواهر الأول. والآخر ثقيل يغمر العقل ولا يحس معه الأصوات الشديدة المريعة.

وعلى هذا تحمل الظواهر الأخرى. وقد أشار سبحانه إلى هذا التقسيم بقوله تعالى: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} (١). وقد قال بعض أهل المعاني السنة: النعاس. والنعاس ما لم يغمر العقل، والنوم ما غمره قال الشاعر: (٢)

وسنان أقصده النعاس فرنقت ... في عينه سنة وليس بنائم

وقال المفصل: السنة في الرأس، والنوم في القلب. يشير بهذا إلى أن أوائل النوم التي هي النعاس إنما تغمر الحس الذي بالرأس. فإذا ثقل النوم غمر الحس الذي بالقلب الذي هو أصل هذه (٣) الإحساس عند بعضهم. وقد أشار عليه السلام إلى هذه الجملة بقوله: إن عينيّ تنامان ولا ينام قلبي (٤). فأشار إلى اختلاف محل النوم في حال خفته من حال ثقله. وأكدوا هذه الطريقة بأحاديث أُخر أيضًا. منها قوله عليه السلام: العينان وكاء السه (٥). فشبه عليه السلام العينين حال اليقظة في حفظهما للإنسان من خروج ما يستره، بالرباط الذي يحفظ الوعاء عن خروج ما استتر فيه. ونبه بهذا التشبيه على أن النوم إنما ينقض الطهارة إذا حصل على صفة تمنع النائم من (٦) علم ما خرج منه. ومنها تعليله عليه السلام لوضوء من نام مضطجعًا، بأنه إذا اضطجع استرخت مفاصله. وهذا تنبيه على الهيئة التي يسهل معها خروج الحدث. وهذا دلالة على أن


(١) سورة البقرة، الآية: ٢٥٥.
(٢) هو عدي بن الرقاع.
(٣) هكذا في جميع النسخ.
(٤) أخرجه البخاري تهجد ج ٣ ص ٢٧٥ - مسلم مسافرين ورواه مالك والترمذي وأبو داود.
(٥) تقدم قريبًا.
(٦) عن -و-.

<<  <  ج: ص:  >  >>