للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في خطبتما عهدة الرّقيق (١) ورأى مالك رضي الله عنه أنّ الأمر إنّما يذكرون هذا في المدينة على رؤوس النّاس، ولا أحد ينكره لكونه متقرّرًا في الشّرع عندهم مشتهرًا.

وعلّل هذا بأنّ الرّقيق يكتم عيبه، فيجب أن يستظهر فيه بالثّلاثة أيّام حتّى يتبيّن للمشتري ما كتم عنه.

وعلّل أيضًا بأنّه يختصّ بذكر عيبه. بخلاف غيره من الحيوان. فيمكن أن يكون ذكر ذلك لسيّده، فبادر لبيعه خوف أن يتبيّن مرضه. فجعلت الثّلاث أمدد البيان ارتفاع تدليسه. كما جعلت في التصرية التّي دلّس بها البائع.

وأمّا عهدة السنة فإنها اختصت بالثلاثة أدواء، لكون الجنون والجذام والبرص تتقدم أسبابه، ويظهر في فصل من فصول السنة دون فصل، بحسب ما يؤكّد طبيعة الفصل سببه. فانتظر بذلك الفصول الأربعة وهي السنة كلّها حتّى يؤمن من هذا العيب ومن التّدليس به.

وأنكر أبو حنيفة هاتين العهدتين. واستدلّ أصحابنا عليه بما ذكرناه من الآثار وطرق الاعتبار. وقد ذكرنا في الاعتبار تعليلين مختلفين ونبّهناك عليهما في أؤل بيع البراءة.

وهذه الثّلاثة أدواء إنّما تؤثّر إذا تحقّقت، ولو ظهر من الجرب ما يشبه الجذام، ولا يكون جذامًا، لم يردّ به.

وأمّا الجنون فإنّه إذا كان من مسّ الجانّ وجب الرّدّ به لكونه مفتقرًا إلى انكشافه بذهاب الفصول الأربع الّتي يمكن أن يحدث فيها في فصل دون فصل.

ولو كان من حادث علم سببه مثل أن يضرب رأسه في خلال السنة فيجنّ فإنّ في المذهب قولين: المشهور ألاّ ردّ بهذا. وقال ابن وهب: يجب الرّدّ به أخذا بعموم الرّدّ بالجنون كلّه على اختلاف أسبابه، كما وجب عموم الضّمان في عهدة


(١) الموطأ: ٢/ ١٣٤. حد. ١٧٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>