للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معنى المخاصمة فتنطلق عليه التسمية انطلاقًا هو كالحقيقة بخلاف الإقرار الذي هو ضد الخصومة، لكنه يسمى أيضًا خصومة لأن الإقرار يقابل الجحود، والشيء يسمى باسم ما قابله أو ما تعلق به، لكن لما كان الجواب في المخاصمة يكون بالجحود فيمكّن الوكيل منه باتفاق، ويكون بالإقرار فيجب أيضًا أن يمكن الوكيل منه، أخذا بالعموم والمجاز، لكون هذه اللفظة، التي هي المخاصمة، المراد بها اقتضاء الجواب، وإيقاع هذه اللفظة على الجواب مجاز، فهذا المجاز يجب أن يحمل على عمومه حتى يتضمن التوكيل الجانبين، وهما الجحود والإقرار. وهذا كما لو حلف ألاّ وضع (١) قدمه في هذه الدار. فدخلها ماشيًا أو راكبًا، أو على غير ذلك من الأشكال، فإنه يحنث لما كان القصد بهذا اللفظ ألاّ يدخل الدار. وهذا المقصود بهذا اللفظ إنما ينطلق عليه لفظ اليمين مجازًا فيجب تعميم هذا المجاز في سائر أنواع الدخول.

وكمن قال: امرأته طالق يوم قدوم زيد من سفره. فقدم زيد ليلًا، فإنه يلزمه الطلاق. و (٢) لأن المراد بقوله: يوم، الوقت، وانطلاق هذه اللفظة على الوقت مجاز، والوقت هو الليل والنهار. فلهذا لزمه الطلاق.

وهذا الذي مثل به أصحاب أبي حنيفة مسلّم إذا كان القصد باللفظ ما ذكره واعتقده في أنه مراد القائلين بهذا اللفظ. وقد ذكر في كتاب الصوم من المدونة في من قال: لِلَّه عليّ أن أصوم يوم يقدَم فلان، فقدِم فلان ليلًا، فإنه يصوم صبيحة تلك الليلة. وهذا قد يُبْنَى، أيضًا، على أن المراد بذكر اليوم، ها هنا، الوقت، ليلًا كان أو نهارًا. وهو من الأسلوب الذي أجراه ها هنا بعض أصحاب أبي حنيفة.

وقد اختلفوا أيضًا في قول الوكيل: إن الموكِّل كذب في دعواه. هل يقبل هذا على الموكل أم لا؟ فمنهم من قال: يقبل، لما قلناه في لزوم الإقرار.


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: يضع.
(٢) هكذا, ولعل الصواب: حذف الواو.

<<  <  ج: ص:  >  >>