أحدها أن الوكيل إذا اشترى بثمن زائد على المعتاد يتهم أن يكون إنما عقد الشراء لنفسه، فلما استغلَاه نَسَبَ ذلك إلى الموكل وألحقه به. والوكالة مبنيّة على الإئتمان، وهو حقيقتها، وإذا تطرقت إليها التهمة بطلت حقيقتها، فوجب بطلان ما يعود بإبطال حقيقتها، كما يجب إبطال الفرع إذا عاد بمناقضة أصله وإبطاله. ولا تتصور هذه التهمة في الوكالة على البيع.
ونوقض أصحاب أبي حنيفة في هذا بأنه قد تتصوّر التهمة في البيع بوجه آخر، وهو كون الوكيل يبذل له رشوة على أن يبيع ما وُكِّل عليه بثمن بخس.
وهذا الذي صوره أصحاب أبي حنيفة من التهمة في الشراء يشبه عندي ما قاله مالك فيمن اشترى سلعة فأخذ مالًا قراضًا فأراد أن يصرف الثمن فيها: إني أخاف أن يكون استغلى ما اشترى فصرف مال القراض فيه، وقد كان قصده شراءها لنفسه.
والانفصال الثاني لأصحاب أبي حنيفة أن الموكِّل على البيع وَكَّل على ما يملك الموكِّل التصرف فيه على الإطلاق, لأن السلعة له وسلمها لوكيله ليبيعها له، فصحّ أن ما يملكه من ذلك مثل الذي ملك بعد حصول التسمية بيعًا. والذي وكل على أن يشتري له لا يملك السلعة التي اشترى له. وإذا لم يملكها على الإطلاق لم يكن لوكيله أن يلزم ذمة الموكل ما شاء على الإطلاق, لأن الأثمان في الذِّمَم، والموكِّل له يملِّك الوكيل ذمتَه فينفذ فعلُه فيها كيف شاء.
والانفصال الثالث أن الوكيل إذا اشترى بزيادة ظاهرة على القيمة لزمه العقد في نفسه، وأدّى الثمن لمن باع منه، وسقط ذلك عن الموكل، لكون الوكيل قد خالف ما أمره به الموكل. فلم يبطل حق البائع في هذا العقد الصحيح لكوْن الثمن يأخذه من الوكيل الذي عقد الشراء منه.
وإذا وكله على بيع سلعة فباعها ببخس، فإنا إذا أبطلنا ما يعقد الوكيل أبطلنا حق المشتري منه في عقد صحيح، إذ لا تتصور ها هنا مطالبة الوكيل