للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حق توفية بكيل أو وزن، لأنّ ما يجب فيه تمييز للمبيع وتمييز مبلغ بكيل أو وزن لا يختلف في كون الضمان فيه على البائع حتى يكال أو يوزن، ولو كان المبيع حاضرًا. فإذا كان المبيع غائبًا فذلك آكد في كون الضمان من البائع. ولهذا قال مالك رضي الله عنه: لا يجوز اشتراط الصفة في مبيع غائب على قيل أو وزن.

وهذا الذي قاله أوضح لما قدّمناه لأن المكيل والموزون لم يختلف في كون ضمانه من بائعه قبل أن يكال أو يوزن. فإذا اشترط البائع على المشتري ضمانه قبل أن يكال أو يوزن، فقد اشترط شرطًا لم يختلف في كونه خلاف الحكم فلهذا لم يصحّ الشّرط. لكن لو كانت التّوفية بعدد مثل أن يبيع دارًا غائبة مدارعة، أو حاظًا فيه نخل على عدد النّخل، فإن مالكًا رضي الله عنه جعل الضمان من البائع، وأجرى العدد مجرى الكيل والوزن. لكن ابن حبيب حكى عن مطرف وابن الماجشون أن ضمان ذلك من المشتري قال: ولو ذهبت الدّار والنّخل لقِيس ما بقي على ما هو عليه ولزم المشتري. واحتجّ بقول مالك فيمن باع زرعًا كل حِمل بكذا فإنّه يكون ضمانه من المشتري وتقاس الأرض ليعلم مبلغ الثمن. وهكذا ذكر ابن الموّاز، واعتل بأنّ المشتري ممكَّن من حصاده قبل أن تقاس. واحتج ابن حبيب أيضًا بأنّ من باع زيتًا بظروفه وزنًا فإنّ الضّمان من المشتري. ويحطّ مقدار الظروف من الثّمن. وأصل المذهب يقتضي صحّة ما قاله مالك من كون الضمان على البائع. ولعل ابن حبيب أراد أن ذكر الأذرع والعدد زيادة في بيان الصفات لاشتراط التوفية به. وأشار في الموّازية إلى كون المشتري قادرًا على حصاده والتصرّف فيه قبل أن تقاس يقتضي اعتبار التّمكين.

وإذا لم يمكن المشتري من ذلك لم يضمنه المشتري.

وممّا يجري على هذا الأسلوب ما ذكره في المدوّنة من أنّ المبيع الغائب لا يجوز أن يشترط لقبضه أجلًا. قال ابن الموّاز لأنّ ذلك اشتراط ضمان سلعة بعينها وذلك لا يحل. وإنَّما يعقد على أن يتوجه المشتري لقبضه قرُب أو بعُد، تعجّل أو تأخر، وهذا أيضًا من نحو ما كنّا فيه من اشتراط ضمان ما الحكم أن لا يضمن. ومن هذا الأسلوب أيضًا ما وقع في الموّازية من منع العقد على سلعة

<<  <  ج: ص:  >  >>