فأمّا إن أراد النّصراني شراء عبد نصراني بالغ فإنّه لا يمنع من ذلك لكونه لا يستحيل الاضطرار به (١) لمساواته في الدّين، ولا يخاف إذا كان سيده يسكن به بلاد المسلمين من كونه يطلع أهل الخرب على غرّة المسلمين وما يخافون منه. وأمّا إن كان هذا العبد صغيرًا ففيه قولان: أحدهما منعُه من شرائه له. فوجه المنع، وهو المذكور في المدوّنة وغيرها، أنّ الصّغير يرجى إسلامه إذا دعي إلى الإِسلام لكونه لم يرسَخ في نفسه الكفر، ولا عنده من الحنكة ما يصادم به من أراد أن ينقله عن دينه. بخلاف البالغ.
فإن وقع هذا البيع ففي العتبيّة أنّه يفسخ. وقد يتخرج على قول آخر أنّه يباع عليه من مسلم. ووجه القَول الثاني وإليه ذهب ابن الموّاز أنّا لسنا على يقين من قبوله الإِسلام إذا اشتراه مسلم فلا يمنع النصرانيّ من شرائه، مع كون إسلامه غير متحقق لا سيما على ما ذكره ابن الموّاز عن أشهب من كون الصغير المنفرد عن أبويه إذا اشتراه مسلم فإنه لا يجبره على الإِسلام لكونه من أهل الكتاب، وأهل الكتاب لا يجبرون على التنقّل عن دينهم.
وأمّا إن كان العبد المبيع الكافر على خلاف دين من أراد أن يشتريه من الكفرة، مثل أن يكون عبد بالغ يهوديّ أراد شراءه نصرانيّ، أو نصراني أراد شراءه يهوديّ. فإنّ هذا أيضًا فيه قَولان: أحدهما المنع من ذلك وإليه ذهب ابن وهب وسحنون. والثاني جواز ذلك. وإليه ذلك ابن الموّاز.
فوجه المنع ما قد علم وتقرّر من شدّة العداوة والبغضاء الّتي بين أهل هذين الكتابين، فتمكّنهم من ملك بعضهم بعضًا إضرار بالمملوك وإيجاد للسّبيل إلى أذاه، والإضرار به لا يجوز.
ووجه الجواز أن هذا لا حق فيه لله سبحانه، لأنّه لو رضي العبد شراء من ليس على دينه وهو بالغ لم يمنع مشتريه من شرائه فلو كان لله سبحانه فيه حق ما
(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: لا يستحلّ الأضرار به.