للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غلب عليها، ولم يغلب على المنفعة، كان له أن يستبيح المنفعة، ويكون كمن وطئ ملك يمينه، لا سيّما والحدود تدرأ بالشّبهات.

وقد اختلف المذهب في قطع من سرق ملك حربيّ نزل ببلد من بلاد المسلمين بأمان لتجارة، فأسقط عنه القطع في أحد القَولين لكون الحربيّ يستباح ماله، وهو إنما عصم ماله ودمه بسبب الأمان إلى حين، فصارت هذه شبهة ترفع حكم القطع في السّرقة.

والجواب عن السّؤال الثامن أن يقال:

اختلف المذهب في جواز معاملة اليهود والنّصارى وغيرهم من أهل الكفّار (١) بالدّنانير والدّراهم المنقوش فيها اسم الله، عَزَّ وَجَلَّ. فالمشهور، في المدوّنة وغيرها، النّهي عن ذلك احترامًا لاسم الله، سبحانه، أن يمسّه كافر وهو نجس، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (٢). فعلّل هذا الحكم باحترام المسجد الحرام عن النجاسة.

فكذلك يجب أن يحترم اسم الله، سبحانه، عن النجاسة. وأجاز ابن كنانة معاملتهم بها. وقال: لم يزل اليهود والنصارى والحائض يمسها قديمًا وحديثًا، ولا ينكر ذلك أحد من العلماء، فيما علمناه. وهذا يلتفت فيه إلى كون هذا المحرّم نزر الجرم وكونه مِمّا تدعو الضرورة إلى إباحته، ألا ترى أنه يمنع السفر بالقرآن إلى أرض العدوّ، وقد كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل ملك الروم: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ} (٣) الآية. وهذا لكون هذا مما دعت الضرورة إليه مع كونه نزر الجسوم. وكذلك الجنب يقرأ القليل من القرآن متعوّذا، للحاجة إلى ذلك. ولا يقرأ الكثير.

وكذلك الدنانير والدراهم رأى ابن كنانة أنّ هذا مِمّا تدعو الضرورة إلى


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: من أهل الكفر. أو: من الكفار.
(٢) سورة التوبة، الآية: ٢٨.
(٣) سورة آل عمران، الآية.٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>