شراء لبن عَدَدٍ يسيرٍ، وقد ذكرنا عن المدونة أنه لا يجوز ذلك. فمن الناس من رأى ذلك اختلاف قول منه في المدونة، ومنهم من اعتذر عن ذلك، ولم يره اختلافًا من القول لكون اللبن ها هنا لم يعقد عليه منفردًا، وإنما عقد عليه تبعًا للمنافع التي اشتريت منها، وهو الحرث بها، والغرر يتصور في الشيء إذا انفرد، ويرتفع منه إذا كان تبعًا لغيره. ألا ترى أن من اكترى دارًا وفيها شجرة لم تَزْهُ فإنه يجوز له اشتراط ثمرتها إذا كانت. الثمرة تبعًا للكراء، ولا يجوز اشتراء ثمرتها قبل الزهو منفردة. فكذلك العذر عن هذه المسألة. لكن أشار ابن أبي زمنين إلى المناقضة من جهة أخرى، فقال: قد اشترط في المدونة فيمن اكترى بقرة للحرث، واشترط لبنها، أن ذلك يجوز إذا عرف وجه حلابها. فإن بناء الجواز فيها على كون اللبن ها هنا تبعًا، فلمّا (١) اشترط وجه المعرفة بحلابها واشتراطه ذلك يؤذن بكونه مقصودًا، وكونه مقصودًا يقتضي منع العقد عليه كما لو عقد عليه منفردًا. وهذا الذي قاله ينفصل عنه بأن الغرر إذا كان من جهة يقدر على رفعها من غير مشقة لم يسامح به. ومعرفة قدر حلابها يمكن أن يطلع عليه من غير مشقة، والعدول عن العلم به إلى الجهل به وقوع في الغرر. فكونه ها هنا تبعًا لا يقتضي العفو عن هذا الغرر الذي يقدر على رفعه من غير مشقة.
وأما ما يتوقى من تغير اللبن فكذلك أمر لا يقدر على رفعه إذا كان المكتري يتسلم البقرة للحرث عليها على الإطلاق، فإن البائع تلحقه المشقة في الإتيان إليها لحلابها وقتًا بعد وقت، فدعت هذه المشقة إلى العفو عن هذا النوع من الغرر، كما أجيز اشتراط ثمرة شجرة لم تزه في اكتراء الدار إذا كانت الثمرة تبعًا، لما يلحق المكتري من التأذي بدخول صاحب الدار إليه وتكرر ذلك عليه ليجني ثمرته. وقد قدمنا في العرية إشارة إلى تعليلها بهذا المعنى.
وقد اختلف المذهب في هذه البقرة التي اكتريت للحرث، واشترط حلابها، هل يحط من الكراء شيء بسبب ما ارتفع من اللبن أو لا؟ فذهب ابن