الضمان بالمنفعة، وقد عدمت بالكليّة في حقّ من المال في يديه وديعة.
وأمّا القراض فمنفعة العامل به غير متيقّنة لأنه قد لا يربح. فأُجْريَ الشّكّ في المنفعة وحصولها مجرى اليقين لعدمها. فقاس ذلك على الوديعة.
وأمّا الشّيء المستأجر ففيه منفعة محققة لدافعه ولآخذه. ولكنه رأى أنّ جلّها لدافعه، فأجرى الجلّ مجرى الكلّ. فردّها إلى الوديعة، وهذا بناه على القول المشهور عندنا في الشّيء المستأجر أنّه غير مضمون.
وأمّا الرّهن والعارية والصناع:
فإنّ المنفعة مشتركة في الرّهن عندنا بين دافعه وقابضه. ولكن جلّها لقابضه يضمنه إذا كان يغاب عليه. ورأى الشافعي أنّ جلّها لدافعها، فلم يضمنه لقابضه، مع كون الوصف الآخر الذي هو عدم انتقال الملك حاصل كحصول ذلك في الوديعة. وقد تكلّمنا على سبب الخلاف في ضمان الرّهان بيننا وبينه.
وأشبعنا القول في كتاب الرّهن.
وكذلك العارية وأحكام الصّناع يبسط القول في ذلك في موضعه إن شاء الله عَزَّ وَجَلَّ.
والجواب عن السؤال الثالث أن يقال:
قد تقرّر أنّ الضّمان إنّما ارتفع في الوديعة عن حائزها لكون حوزه لها لا لمنفعة نفسه على حال.
ولو تسلّف رجل الوديعة التي عنده وهي مِمّا لا يراد بعينه كالدّنانير والدّراهم يتسلّفها ثمّ يردّها، وأخرجها من ذمّته إلى أمانته على حسب ما كانت عليه قبل أن يتسلّفها، فهل يسقط عنه الضمان إذا ضاعت بعد أن ردها إلى أمانته وانتفاء الضمان حتّى تصل إلى ربّها؟ فهذا مِمّا اختلف فيه قول مالك رضي الله عنه واختلف أصحابه. فالمشهور عنه وعليه أكثر أصحابه أنّ الضمان يسقط عنه لإخراجها من ذمته وردّها إلى أمانته. وهكذا روى المصريّون عنه. وهو اختيار ابن القاسم وأشهب. ورواه ابن عبد الحكم وأصبغ. وروى عنه المدنيّون أن