للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠ - وهل البرغوث والبعوض ملحق بالقسم الأول أو الثاني؟.

فالجواب عن السؤال الأول: أن يقال: إنما قيد ذلك بذكر الحياة والموت لأن أبا حنيفة ذهب إلى أن ميتة البحر لا تحل كميتة البر. ولنا عليه قوله سبحانه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} (١). قال عمر رضي الله عنه: الصيد ما صيد منه. وطعامه ما رمى به. وله علينا قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}. (٢) ولم يفرق بين ميتة البر والبحر. وهذان عمومان تعارضا. فيجب رد أحدهما للآخر. فله أن يقول المراد بقوله صيد البحر وطعامه ما كان حيًا بدليل قوله تعالى حرمت عليكم الميتة. ولنا أن نقول المراد بقوله حرمت عليكم الميتة إذا كانت برية بدليل قوله أحل لكم صيد البحر وطعامه. وإذا تعارض العمومان وتقابل البناءان وجب طلب الترجيح. فلنا ترجيحان أحدهما: من نفس الظاهر، والآخر من غيره. فأما الذي من نفسه فهو قوله وطعامه بعد ذكره لصيده فيجب أن يحمل قوله وطعامه على فائدة ثانية غير فائدة قوله صيد البحر، ولا فائدة لها إلا ما رمى به. والغالب فيما رماه أنه لا يكون إلا ميتًا. وقد ذكرنا قول عمر رضي الله عنه في تأويل الآية وهو صاحب وإمام يرجح بقوله. وأما الترجيح من غير الآية فقوله عليه السلام في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته (٣). وهذا يستعمل ترجيحًا ودليلًا.

والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: إنما قيد بقوله كان مما له شبه في البر أو مما لا شبه له؛ لأن من العلماء من ذهب إلى أن ما كان له شبه في البر فحكمه حكم شبهه كإنسان الماء والكلب والخنزير، لا يحل (٤) أكلهم وإن كانوا من دواب الماء. لأن أشباههم من حيوان البر لا تؤكل. وقد سئل مالك في المدونة عن خنزير الماء فتوقف فيه. فلأجل هذا الاختلاف قيد بقوله كان مما له شبه في البر أم لا؟ ليشير بهذا التقييد إلى هذا الاختلاف.

والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: إنما أتى بهاتين الجملتين لأن


(١) سورة النساء، الآية: ٩٦
(٢) سورة المائدة، الآية: ٣
(٣) تقدم تخريجه ص ١٠٨.
(٤) لا يجوز -ح-.

<<  <  ج: ص:  >  >>