للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: إنما كان النبيذ المسكر نجسًا لمشاركته للخمر المتفق عليه في علة النجاسة. لأن الخمر المتفق عليه إنما كأن نجسًا عندنا لوجود الشدة المطربة. ألا تري أنه إذا كان حلوا كان حلالًا.

وإذا اشتد حرم. فإن تخلل من قبل الله سبحانه بعد ذلك حل. فلما رأينا الحكم متعلقًا حصوله بحصول الشدة المطربة وعدمه بعدمها، علمنا أنها علة الحكم.

وإذا كان ذلك كذلك وكان التمري فيه من الشدة المطربة ما في العنبي، وجب أن يكون حكمهما واحدًا في التحريم والنجاسة.

والجواب عن السؤال الرابع: أن يقال: إنما لم يجز التطهر به لما قدمناه من كونه نجسًا، والنجس لا يتطهر به. وقد أجاز الأوزاعي الوضوء بسائر الأنبذة. وروي مثله عن عليّ رضي الله عنه. وقال أبو حنيفة: إنما يجوز بمطبوخ التمر فقط إذا أسكر دون النقيع والنيئ بشريطة عدم الماء. ولنا عليهم قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (١). فلم يجعل بين عدم الماء والتيمم واسطة. فمن جعل بينهما واسطة فقد خالف الظاهر. ولأنه إن كان أصلًا جاز الوضوء به مع وجود الماء. وإن كان بدلًا فيجب كونه أعم وجودًا من المبدل وأسهل تناولًا. وهذا مقتضى الحكمة لأنه إنما يبدل الشيء عند عدمه بعوض هو أكثر منه وجودًا وأسهل تناولًا. وإذا بطل كونه أصلأوبدلًا بطل أن يكون له في الطهارة مدخل. فإن تعلقوا برواية ابن مسعود بأنه قال عليه السلام ليلة الجن: ما في إدواتك؟ قال: نبيذ. فقال: تمرة طيبة وماء طهور (٢). زاد بعضهم فتوضأ منه. فقيل عنه أجوبة. فقيل إنه منسوخ لأنه كان بمكة ونزلت آية الوضوء التي دلت على منع الوضوء به بالمدينة. والآخر ينسخ الأول. وأيضًا فإنه يمكن أن يكون لم يتغير وإنما سمي نبيذًا لأنه قد نبذ. وهذه التسمية تحصل له وإن لم يتغير. وقد قال الترمذي: أن أبا زيد راويه رجل مجهول (٣) وهذا كله يمنع التعلق به.


(١) سورة النساء، الآية: ٤٣.
(٢) الحديث أخرجه أحمد والدارقطني وأبو داود والترمذي. انظر الهداية ج ١ ص ٣٠٤ وما بعدها.
(٣) عارضة الأحوذي ج ١ ص ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>