ولو ادعى أنه استرده منه سرًّا، لم يقبل دعواه، وهذا لأن معاينة البينة لقبض الثمن يوجب عليه الردَّ، ودعواه ما يُسقط ما أوجبه، الظاهر لا يقبل منه.
واستحسن سحنون أن يُشهِد في السرّ على أنه إنما فعل ما ظهر من البيع لأجل مخافته مِمّن أَخَذ الدار منه. لكنه جعل لهذه الدعوى حكمًا بين حكمين، فقالوا لو بني هذا الظالم المشهور بالتعدي ينافي (١) هذْه الدار، لم يُمكَّن من أُخِذت منه من أخذها إلا حتى يدفع قيمة البناء قائمًا. ولو شُهِد له أنه أُكرِه على بيعها لكان له أن يعطي قيمة البناء منقوضًا.
وإذا وجب ردّ الدار لم يجب ردّ الغلة، فجعله كمن اغتلّ دارًا وبنى فيها بوجه شهبة، إذا لم تثبت حقيقة الغصب، وجعله في أخذ الدار منه ونقض البيع كمن ثبت عليه الغصب.
ولا يتضح فرق في هذا إلاّ أن يجعل الاختلاف بين المدعِي والمدعَى عليه كالشبهة في إمكان صدق المدعَى عليه. ومن اغتلّ بوجه شبهة فإنه لا يردّ الغلة، ولا يؤخذ منه ما بناه إلا بقيمته قائمًا، بخلاف أخذ عين الدار منه لأجل أن المدعِي قد أثبت ملكه فيها، وشككنا في هذا الملك هل يسعه أم لا؟
واستصحبنا حال ما ثبت من الملك، فلهذا رددنا الدار ليد المالك. وأما ما بناه هذا الظالم المتعدي فإن ذلك في يده، ونحن على شك في صدق المدعي أو المدعى عليه، فاستصحب حالة ملكه البناءَ، فلم يُخرَج من يديه إلا كما تخرج الأملاك إذا استحقت.