للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التبذير، وفرّق بينهما بأن الصغير المحجور عليه إذا بلغ وحاله في الدين غير مرضية، فإنه يحجر عليه وإن كان حسن النظر في دنياه، لأنه لا يؤتمن على مال غيره لفساد دينه فكذلك لا يؤتمن على مال نفسه.

فأمّا إذا اؤتمن على ماله وسلّم إليه، فإن طريان فساد الدين عليه بعد ذلك لا يوجب رفع ما ثبت عندنا من أمانته على ماله، حتى نشاهد تبذيره له فيُنتقل إلى الحكم الآخر.

وأشار ابن الحارث من أصحابنا إلى اتفاق أهل مذهبنا على أن طريان الفسق على الرشد لا يوجب أستئناف الحجر عليه.

وقد احتج المعتبرون لصلاح الدين بما ذكر عن ابن عباس في وصفه الرشد، فقال في أوصافه: "ومن له حلم ووقار".

وذِكْرُه الوقار إشارة إلى صلاح الدين.

هذا حقيقة القول في إنفاقه في المجنون والمعاصي. وأمّا إنفاقه في الملاذّ والشهوات المباحات، وجمع الجماعة تأكل الكثير منه من الطيبات في المبيتات والمؤانسات، فإن هذا مما فيه إشكال أيضًا. وأشار بعض أصحاب الشافعي إلى أنه يوجب الحجر. وأمّا ابن القصار، من أصحابنا، فذكر ذلك ولكنه شرطه بشرط، فأوجب الحجر على من أنفق في الملاذّ والشهوات وأكثر من ذلك. ولكنه قال: "إذا كان ما فضل عنده من ذلك لا يتصدق به ولا يطعمه."

وقوله "ولا يطعمه" بعد ذكر الصدقة، الظاهر أنه أراد به إطعامه لإخوانه، وهذا قد يشير إلى أنه لا يرى ما ذكرناه عن بعض أصحاب الشافعي يوجب (١) الحجر.

والتحقيق عندي فيه الالتفات إلى ما كنا أشرنا إليه في اعتبار حال قلة المال وكثرته، وحال التَّجْرِ بِهِ وتنميته، وقرائن الأحول التي تكون عنوانا وعلما


(١) هكذا ولعل الصواب: بوجوب

<<  <  ج: ص:  >  >>