للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الانتفاع كون الجلد مدبوغًا؟ وهلا أجزتم بها قبل الدباغ كما أجازه الزهري آخذًا بإطلاق هذا الخبر؟ قيل قد روي مقيدًا بالدباغ. وقالت عائشة أمران يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت. والمطلق يرد إلى المقيد فلهذا شرطنا الدباغ في جواز الانتفاع.

والجواب عن السؤال السابع عشر: أن يقال: إنما نبه على عظم الميتة وقرونها. لأن أبا حنيفة ذهب إلى طهارتها. ونقطة الخلاف بيننا وبينه وقد تقدم الكلام عليها وهي اعتبار وجود الحياة بالعظم فيكون ميتة عند الموت. أو عدم الحياة منه أصلًا. فلا يكون ميتة. وقد ذكرنا المعنى الذي به يعرف (١) الحيوان من الجماد. فلا معنى لإعادته. وقد احتج أصحابنا على حياة العظم بقوله تعالى: {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} (٢). وهذا تنبيه على وجود الحياة بها. فإن قيل: فلم قلتم بنجاسة الريش والظفر وهما لا حياة بهما؟ قيل قال بعض أصحابنا أن دم البدن ينبعث إليهما وبه تتغذكرًاصولهما فلهذا حكمن ابن جاستهما. ولولا هذا لكانا طاهرين كالشعر. وقال بعض أصحابنا أيضًا يجوز أن يكون القرن والسن لا حياة بهما وإنما قلن ابن جاستهما لأنهما يتغذيان بالدم فحكم بنجاستهما.

والجواب عن السؤال الثامن عشر: أن يقال: أما عرق من يتغذى بالنجاسة، كعرق السكران وما في معناه، فقد اختلف في ذلك، هل هو نجس أو طاهر؟ وقد تقدم القول فيه. والأصح عندي طهارة عرق السكران إذا كان ظاهر بدنه طاهرًا. لأن الأمة أجمعت على أن الخمر إذا صارت خلًا من قبل الله سبحانه عَزَّ وَجَلَّ فإنها طاهرة لانقلابها واستحالة صفاتها. وانقلاب الخمر (٣) عرقًا أبعد من انقلابها خلًّا. فوجب القول بطهارته. وكذلك يختلف القول في لبن المرأة إذا شربت الخمر. والأصح طهارته لما قلنا. وأما لبن الميتة فليس نجاسته من قبل أنه في الأصل نجس ولكن من قبل نجاسة وعائه لأن الميتة


(١) يعرف به -و-.
(٢) سورة يس، الآية: ٧٨.
(٣) الخمرة -ح-.

<<  <  ج: ص:  >  >>