وهذا الذي قاله من التخريج فيه نظر، وذلك أن الهبة للثواب، الأصل منعها, لأنها معاوضة فيها غرر، إذ لا يدري الواهب ما يعوض عنها. لكن إنما جازت قياسًا على نكاح التفويض كما نصّ عليه أئمة المذهب فصارت كالرخصة، والرخصة فيها اختلاف: هل يقاس عليها أم لا؟ فلا يقاس هذا الرجل الثاني، المتبرع بالمكافأة عن غيره، بالموهوب له السابق، مع كون الغرر في هذا أوضح, لأن الموهوب له الغالبُ أنه لا يكافىء بأقل من قيمة الهبة، بل الغالب أن يكافىء بأكثر منها بما لا يدرى حقيقة مبلغه. فكأن العلة ها هنا بالعكس من علة الحميل، مع كون هذا الثاني إنما هو كمشترٍ حقًا على غيره لا يعرف مبلغه ولا جنسه، فهو بخلاف الموهوب له الذي يقبل الهبة على أمر يضمر أنه به يكافىء.
وإذا أخذ الكفيل من الغريم سلعة على أن يؤدي عنه ما تحمل به عنه من دنانير أو دراهم فأتى من له الدين فألزم الغريم أن يعطيه دينه، فأعطاه دينه، (في أن)(١) البيع في هذه السلعة لا ينفسخ, لأن من اشترى سلعة بدنانير أو دراهم فاستُحقت الدنانير أو الدراهم من يد البائغ، فإنه يرجع بمثلها على المشتري، ولا ينفسخ البيع. فكذلك ها هنا يرجع الغريم على الحميل بالدنانير التي قضاها عنه. وإذا صالح من له الدين الكفيل على الخمسين دينارًا، وقد تحمل له بمائة، وقد حل الأجل، جاز ذلك وسقطت المطالبة عن الحميل بالخمسين دينارًا، وبقيت المطالبة بها على الغريم.
وإذا تحمل رجلان لرجل بألف درهم فأخذ أحدهما من صاحبه مائة درهم، على أن يؤدي عنه ما توجه عليه بالحمالة، فإن ذلك لا يجوز إذا كان ذلك قبل حلول الأجل، أو كان ذلك بعد حلوله، والذي له الدين غائب, لأن قابض المائة استعجلها قبل حلول أجلها، أو بعد حلوله، والذي يستحق قبضها منه غائب، فتبقى في يديه ينتفع بها، حتى إذا حل الأجل وقدم الغائب، قام له