المائة جميع الخمسمائة التي وقع الصلح عليها، مائة منها هي التي دفع إليه صاحيه وأربعمائة منها عن نفسه، وثلاث مائة عما التزم اداؤه عن صاحبه الذي تحمك معه، ويرجج الحميلان كل واحد بما أدى لمن له الدين،
وإذا كانت الحمالة بثمن طعام فلما حلّ أجل الثمن طُلب الحميل به، فأداه، ثم أراد أن يأخذ من الغريم الذي أداه عنه طعامًا من صنف المبيع، أو من غير صنفه، أقلَّ من كيله أو أكثر، فذلك جائز، ولا يحل الكفيل ها هنا محل من تكفل عنه بثمن الطعام المبيع, لأن مشتري قمحٍ بمائة دينار إلى أجل، إذا حل فأراد أن يمّضى عن المائة دينار فولًا أو طعامًا غيره، لم يجز ذلك، على ما قدمناه في كتاب البيوع, لأنهما لتهمان على أن أظهرا بيع قمح بدنانير، وأبْطنا بجع قمح بفول إلى أجل وبحع الطعام يالطعام إلى أجل لا يجوز.
ولا يتصور هذا في الحميل بدنانير إذا أراد أن يأخذ من الغريم، عنها طعامًا, لأنه لم يخرج من يده إلا دنانير وهي التي أداها بالحمالة، ورجج إلى يده عوضًا عنها طعامٌ، وبيع دنانير (وطعام)(١) بطعام إلى أجل جائز.
وإذا كان بائع القمح هو الذي أخذ عن ثمنه فولًا، خرج من يده قمحٌ ورجع إليه بعد مدة فولًا، وذلك لا يجوز. وكأن ظاهر هذه العلة تقتضي أن بائع القمح لو كان قد تسلف دنانير مثل ثمن القمح من رجل، وأحال بها على الرجل الذي باع منه القمح ألَاّ يمنع هذا المحال، أن يأخذ طعامًا ممن أحيل, لأنه لم يخرج من يده طعام ثم رجج إليه طعام عوضه، لكن يمنع من ذلك ها هنا لأن هذا المحالَ يَدُه كيد المحيل له، وكأنه عنه يقبض، ألا ترى أن المحيل لو غرّه بفلَس المحال عليه لكان له الرجوع على من أحاله، فلما كانت يد المحال كيد المحيل له، وهو بائع القمح، وبائع القمح لا يجوز له أن يأخذ من ثمن طعامه طعامًا، فكذلك من حل محله، وكانت يده كيده.