فأمّا إذا أدى من شيء قد تقرر مِلكه عليه، وكان مما يكال أو يوزن رجع بمثله على من أداه عنه، من غير خلاف, لأنه كالمسلف لمن أداه عنه، ومن أمملف مكيلًا أو موزونًا فإنما يرجع بمثله.
وإن كان الذي أداه من ملك نفسه حيوانًا أو عروضًا فمذهب أشهب وغيره من أصحاب مالك أنه يرجع أيضًا بمثله كما يرجع أيضًا بذلك في سلف العروض. واختلف قول ابن القاسم فيه: ففي الموازية عنه: أنه يرجع بمثله كما قالت الجماعة. وفي الواضحة أنه يرجع بقيمته كما يرجع بالقيمة في العروض في البياعات الفاسدة والاستحقاقات والاستهلاكات.
وأمّا إن كان كُلِّف القضاءَ فاشترى ما يقضيه بثمن، فإنه يرجع بمثل الثمن الذي اشترى به، سواء كان ما اشتراه وقضاه مكيلًا أو موزونًا أو عروضًا، ولا يعتبر في ذلك قيمة العروض لأنه لما كلف شراءه، صار ذلك كأنه وقع بإذن الغريم الذي تحمل عنه، فكأنه أسلفه الثمن فلا يرجع عليه إلا به.
ولهذا التعليل اختار بعض المتأخرين التفرقة بين أن يكون تحملا عنه بإذنه أو بغير إذنه: فإن تحمل عنه بإذنه صار كالإذن له في السلف. وإن تحمل عنه بغير إذنه لم يكن له رجوع إلا بالأقلّ مما اشترى، أو قيمة ما أدى عنه لأن
الغريم يقول: من حقي إذا كنت معسرًا التأخيرُ، فأنت أضررت بي في تعجيل ما يجب تأخيره، فإذا كانت القيمة الآن الأقل فلا أعطيه أكثر منها.