ورجوعه إلى الخصام إيقاع له في الغرر، والغرر مما يجتنب في الشرع، فلم يبق إلاّ رجوعه بقيمة العبد، كمن صالح عن دم عمدٍ أَوْ خلعٍ، وما في معنى ذلك. وأيضًا فإن الغالب في الصلح على الإنكار أن المدعي لا يأخذ قيمة ما ادعى فيه، وإنما يؤاخِذ (١) في ون ذلك اغتناما منه لئلا تصح له الدعوى فيقتصر على قيمة ما أَخَذ.
ولو ادعى في شقصِ من دار فصالح المدعي عن دعواه بنصيب من دار، فهل يقضَى في هذه المعاوضة بالشفّعة أم لا؟ عند ابن القاسم أنه يقضى فيها بالشفعة، بناء على ما قدمناه بأن المعاوضة، وإن كانت وقعت في إنكار الدعوى، فإنها تجري مجرى البياعات. وقال أصبغ لا شفعة في هذا، وكأنه رأى أنها دفع للخصام، والخصام ليس بمال، وما ليس بمال لا يقوّم، والشفعة إنما تكون في الحقوق المالية، لا سيما إذا قلنا: إن الهبة لشقص بغير عوض لا شفعة فيه، على أحد القولين، فكذلك فذا يكون أخذ الشقص الذي وقع به الصلح كالهبة. وعلى قول سحنون تكون الشفعة بقيمة الشقص المأخوذ لا يقيمة الشقص المدعى فيه، وكأنّ الشقص المصالح به لما أُخِذ بالشفعة صار كاستحقاق، واستحقاق العبد وقع عن مدافعة من خصام في مال فأجرِي حكمه في الشفعة مجرى المال. ولو وقع الاستحقاق في نصف هذا العبد لكان قابض العبد بالخيار بين أن يرضى بعيب الشركة في العبد، ويمضي الصلحَ في نصف الدار، ويخاصم في النصف الآخر، أو يقبل نصف العبد عوضا عن دعواه في جميع الدار. فإن قبل نصف العبد عوضا عن جميع الدار فلا مقال لمن في يده الدار، وإن لم يقبل ذلك إلاّ عوضا عن نصف الدار، وطلب الخصامَ في النصف الآخر، فإنه ينقلب الخيار إلى من في يديه الدارّ, لأنه يقول: دفعتُ العبد على ان لا تخاصمَني، فإذا خاصمتني في نصف الدار، وخصامك في نصف الدار كخصامك في جميعها، فلا امكّنُك من ذلك. هذا البخاري على طريقة ابن القاسم.
وأما على طريقة سحنون الذي يوجب الرجوع بجميع قيمة العبد إذا وقع