للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعد ذلك: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (١) فنبّه تعالى على أن الرهن يقوم مقام الشهادة في المقصود منَ الاستيثاق والأمْن ميت الجحود. فإذا وقع الاتفاق على أنه إذا باع سلعة، واشترط على المشتري أن يُشهِد على نفسه بالثمن، ولم يُسمِّ في اشتراطه الشهودَ، فإن هذا الشرطَ لا يُمنَع منه، ولا يُبطِل البيعَ, لأنا إذا خيّرنا المشترىَ، واشتُرِط عليه الرهن بالثمن أن يأتي برهن يكون فيه وفاء بالحق المرهون به، فإنه قد حصل الغرض المقصود من الاستيثاق، وإن لم يكن قد عُتن جنسُ الرهن في أصل البيع. كما يجْعل الاستيثاق بشهادة عدلين وإن لم يسمَّيا حين اشترط الشهادة. فإن قيل: الفوق بينهما أن الشهادة لا غرض في تعيينها، وشهادة عدلين يسقَيان زيدًا وعَفرًا، كشهادة عدلين يسميان بكرًا وخالدًا، بخلاف الرهن فإن الراهن قد يُوثر أن يرهن جنسًا يكون لا يضمنه، أو يؤثر الراهن جنسًا تشق حراسته وحفظه، ويؤثر المرتهن مالًا يشق حراسته وحفظه، كالحلي والثياب. فإذا تباعدت هذه الأغراض وجب فسادُ الشرط وإبطالُه، بخلاف الشهادة.

وأجاب أصحابنا عن هذا بأن المقصو تحصيل ما يُوَفّى الثمن الذي وقع به الرهن، فإذا لم يسمّيا جنس الرهن ولا عيّناه أشعر بأنه لا غرض لهما, ولا مقصود عندهما سوى اعتبار كون الرهن يوفّى بالدين بِلا حاجة إلى أن يعايَن الرهن في حين الاشتراط، كما قال المخالف.

وأيضًا فإنا لو سلمنا اختلاف الأغراض في ذلك، لكان في حكم التبَع للمقصود الذي ذكرناه، وإنما يراعى في الشرع المتبوع لا التابع. وبهذا ندافعهم عن قياسهم الرهنَ الذي لم يعيَّن على نفس المبيع الذي لا بد أن يعيَّن, لأن المقصود من المبيع ملك عينٍ على التأبيد يُنتفع بها على الوجه الذي يُنتفع (بها مثالها إذا) (٢) كان هذا المقصودَ لم يصح ضبطُه مع عدم التعيين. ألا ترى


(١) البقرة: ٢٨٢، ٢٨٣.
(٢) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: به أمثالُها وإذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>