للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: اختلف الناس في الصلاة الوسطى ما هي على ثمانية أقوال؟ فقال بعضهم هي كناية عن الصلوات الخمس. وقال بعضهم هي كناية عن صلاتين: إحداهما العصر والأخرى الصبح. وقال آخرون هي صلاة (١) الجمعة. وقال آخرون هي صلاة الصبح. وقال به من الصحابة ابن عباس. ومن الفقهاء مالك. وقال غيرهم هي صلاة الظهر. وقال به من الصحابة زيد بن ثابت. وقال آخرون هي صلاة العصر وبه قال من الصحابة علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر، ومن الفقهاء أبو حنيفة والشافعي. وقال بعضهم هي صلاة المغرب قاله من التابعين قبيصة بن ذؤيب. وقال غيرهم هي العتمة. فأما من قال إنها كناية عن الخمس صلوات فإنه يحتج بأن الخمس عدد فرد والعدد الفرد لا وسط له. وما لا وسط له إذا ذكر فيه الوسط كان ذلك كناية عن جميعه كالدائرة التي لا أول لها معينًا (٢)، وهذا باطل. لأن الله سبحانه قال: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (٣). وهذا لفظ يتناول جميعها إذا قصد به العموم تصريحًا. وإذا صرح بالشيء استغنى عن الكناية عنه إذ التصريح يفهم منه المراد، والكناية لا يفهم منها المراد كما فهم بالتصريح، فلا معنى لها.

وأيضًا فإن الوسط إذا لم يكن بمعنى النصف ها هنا صح أن يكون الثالث وسطًا في الخمسة لكونه مسبوقًا باثنتين ومعقبًا باثنتين. وأما من قال صلاة الجمعة فدعوى لا وجه لها؛ لأنها لم تختص بمعنى تخالف به الصلوات الخمس فيستحق التسمية بالوسطى. وهذا الاسم ليس بلقب وإنما هو مأخوذ من معنى ومفيد لحقيقة. فمن لم يبدها فيما ادعاه لم يسمع قوله. إلا أن يرد في ذلك نص شرع يتبع. ولهذا اختلف نظر العلماء لما تطلبوا معنى هذا الاسم. فنظر بعضهم إلى التوسط في عدد الركعات، فلم يجد إلا المغرب لأنها فوق الصبح ودون الظهر والعصر والعشاء في العدد فجعلها الصلاة الوسطى (٤). ونظر بعضهم إلى التوسط في الزمن فقدم مالك الليل على النهار، فيكون المغرب والعشاء طرفًا أولًا،


(١) صلاة ساقطة -و-.
(٢) معينا ساقطة -و-.
(٣) سورة البقرة، الآية: ٢٣٨.
(٤) هكذا في نسخة -ح- وأما في نسخة -ق- في التضيع من غيرها فلما خصها بالأمر بالمحافظة عليها في العدد فجعلها للصلاة الوسطى.

<<  <  ج: ص:  >  >>