للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد تأول أصحاب أبي حنيفة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا محذورة بالترجيع على أن ذلك إنما القصد به إغاظة المشركين. وقد يقولون أيضًا قد يكون أمره بالترجيع ليعلّمه أو لأنه أخفى صوته فأعاد ليعلم. وقد ذكر بعضهم أن أبا محذورة كان شديد البغض للنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل إسلامه. فلما أسلم وأخذ في الأذان فلما وصل إلى ذكر الشهادة أخفى صوته حياء من قومه. فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فعرك أذنه وأمره بالترجيع. قالوا ومن جهة المعنى أن المقصود بالأذان الدعاء إلى الصلاة.

واللفظ المختص بهذا المعنى حي على الصلاة. فإذا لم يربع مع أنه المقصود فأحرى ألاّ يربع غيره. والجواب عما تأولوه في حديث أبي محذورة أن استمرار العمل به يمنع مما قالوه. أو يكون ما قالوه سببًا في أن شرع (١) الترجيح. وقد يشرع الشيء لسبب ويزول (٢) السبب ويبقى الشرع بعده على ما هو عليه. ولهذا قلنا نحن في الرَّمل في الطواف أنه شرع مباهاة للمشركين ثم زال السبب وبقي الرَّمل.

وإنما ذكرنا هذا مثالًا لا دليلًا لأنا (٣) نخالف فيه أيضًا.

والجواب عما قالوه من جهة الاستنباط، أن التكبير قد ربع أولًا في الأذان عندهم، وكرر عندنا وعندهم في آخره، مع أنه ليس هو المقصود. فلا يبعد تربيع الشهادتين مع كونها ليست المقصودة على قولهم.

والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: ظاهر المذهب على قولين في صفة التصويت لمبدأ الأذان. فقيل يكون في الانخفاض مناسبًا لما بعده من الشهادتين. ويكون مبدأ المبالغة في رفع الصوت إذا أخذ في إعادة الشهادة.

وكان شيخنا رحمه الله ربما أذن في بعض قصور الرباط في منزله فيؤذن هكذا.

والقول الثاني أنه يفتتح التكبير بالمبالغة في رفع الصوت على حسب ما يفعله إذا أعاد الشهادتين. وإنما يختص بخفض الصوت الشهادتان خاصة في أول أمرهما. وربما غلط بعض العوام من المؤذنين إذا أخذ (٤) بالقول الأول في نطقه


(١) شروع -و-.
(٢) ويزال -و-.
(٣) لأنا لا نخالف -و-.
(٤) أخذنا في -و-.

<<  <  ج: ص:  >  >>