كانت في الصلاة دل سجودها على أنه واجب من وجوب الصيانة. وأجيب عن هذا بأن المصلي لم يقطع القيام المفروض لأن القيَام المفروض هو ما اشتمل على القراءة الواجبة وما زاد فليس بمفروض: فلا ينكر قطع ما ليس بفرض بما ليس بفرض. وإن صوروا مصليًا لا يحسن أم القرآن ويحسن آيات فيها سجدة، وأوجبوا عليه الإتيان بتلك الآيات، فقد قال بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي لا يبعد المنع ها هنا من سجود التلاوة، وحتى لا ينقطع القيام المفروض. وأما مالك والشافعي فيستدلان بأن رجلًا قرأ بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يسجد فقال - صلى الله عليه وسلم -: "كنتَ إمامًا فلو سجدت لسجدتُ معك"(١) ولم ينكر عليه ترك السجود. وبأن عمر رضي الله عنه قرأ سجدة على المنبر فسجد ثم قرأها في يوم آخر فتهيأ الناس للسجود فلم يسجدها. وقال إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء.
ولم ينكر ذلك عليه أحد. وأجيب عن هذا بأن ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - السجود إنما كان في الحال. قال المخالفون: عندنا السجود على الفور إذا لم يسجد القارئ.
وهذا الذي قالوه خلاف لتعليل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه لم يعلل بأكثر من تَركه السجود.
ولم يذكر عزمه على السجود على الفور إذا لم يسجد القارئ في المستقبل.
والظاهر أنه لو كان لذكره. وأجيب عن فعل عمر أن معناه إلا أن نشاء قراءتها ولم يكتب علينا تعجيلها إلا أن نشاء. وهذا خروج أيضًا عن ظاهر قول عمر.
والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: اختلف المذهب في عدد سجود التلاوة فالمشهور أنه إحدى عشرة سجدة. وذكر القاضي أبو محمَّد في غير هذا الكتاب عن مالك أنه قال العزائم أربع عشرة سجدة. وأضاف إِلى الإحدى عشرة ثلاث سجدات من المفصل وجعلها من العزائم. وقال ابن وهب وابن حبيب هي خمس عشرة سجدة. وأثبتا ثانية الحج. وأما الشافعي فإنه اختلف قوله: فقال مرة أربع عشرة سجدة سوى سجدة "ص" فإنها سجدة شكر. وقال مرة أخرى
(١) حديث عطاء بن يسار أن رجلًا قرأ عند النبي - صلى الله عليه وسلم - السجدة فسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قرأ آخر عند السجدة فلم يسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله أقرأ فلان عندك السجدة فسجدت وقرأت عندك السجدة فلم تسجد فقال كنت ... الخ روي موصولأوهو واهي الإسناد وروي مرسلًا قال الحافظ ورجاله ثقات. انظر إرواء الغليل ج ٢ ص ٢٢٧.