للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقدير للعلم وأهله، ما يدفع ظن ابن السبكي أن الإِمام تحامل على الغزالي وعلى إمام الحرمين لأنهما انتقدا الإِمام أبا الحسن الأشعري. فعقلية الإِمام المازري نوع آخر غير الذي تأثر به ابن السبكي في عصره من تقاذف بين العلماء. وما وجدت له في شرح التلقين خروجًا عن هذا المسلك أو طعنًا على العلماء من الموافقين في المذهب والمخالفين.

ثامنًا: مزج الإِمام في شرحه بين تحقيق الفقه في المسألة المعروضة في المذهب المالكي وفي بعض المذاهب الأخرى. وبين الربط بالدليل الخاص. ثم أضاف إضافة لها وزنها في طريقة دراسة الفقه هي الربط بين المفاسد الشرعية والحكم. فكان بذلك من العلماء الذين اعتمدهم أبو إسحاق الشاطبي في عميق نظره في الشريعة الإِسلامية وضبط مسائلها بقواعد عمل على أن تكون قطعية. تعطي للناظر فيها الخيوط الجامعة بين المسائل حسب قانون يقضي به العقل المستنير بالوحي. ومن أمثلة اقتباس الشاطبي من الإِمام المازري ما ذكره في المسألة الثانية: "وهي ورود الأمر والنهي على متلازمين. فكان أحدهما مأمورًا به والآخر منهيًا عنه. فإن القاعدة التي يجب أن يحمل عليها التشريع هي أن يعتبر المتبوع ويلغي التابع. ثم تابع تفصيل هذه القاعدة. وما يكشف عنه التتبع من إشكالات فكان أحد الإشكالات أنه إذا كان كل واحد من الأمر والنهي يمكن أن يكون مقصودًا قصدًا أوليًا. كالأواني من الذهب والفضة: فهل المقصود العمل الفني من الصياغة فيجوز شراؤها، أو المقصود تملك عين الذهب آنية فيحرم؟ قال فهذا محل اجتهاد في ترجيح أحدهمالك ونه تابعأوالآخر متبوعًا. وهو محل إشكال ثم أتبعه بقوله. قال المازري في نحو هذا القسم من البيوع ينبغي أن يلحق بالممنوع؛ لأن كون المنفعة المحرمة مقصودة يقتضي أن لها حصة من الثمن، والعقد واحد على شيء واحد لا سبيل إلى تبعيضه، والمعاوضة على المحرم منه ممنوعة، فمنع الكل لاستحالة التمييز، وأن سائر المنافع المباحة يصير ثمنها مجهولًا لو قدر انفراده بالعقد. هذا ما قال وهو متوجه (١).


(١) الموافقات ج ٣ من ص ١٦٣ إلى ص ١٩٥. وانظر تعقيبه على كلام المازري بعد أن
وجهه ص ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>