للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلزم الموهوب طاعته. فكان للموهوب الرد. ورد الركعتين من الصلاة لا يصح لأن الله سبحانه واهبها يملك (١) الولاية على العبد ولا يسوغ رد ما شرع. ولا يناقض هذا يكون المملوك مخيرًا بين الظهر وصلاة الجمعة، وصلاة الجمعة ركعتان، والظهر أربع. لأن ذلك في معنى عبادتين مختلفتين كالثلاث خص الذي كفارة الأيمان التي خيّر العبد منها في الشرع لا في الشروع. ووجه الاختلاف بين الظهر وصلاة الجمعة أن في الجمعة سعيًا وخطبة وليس ذلك في صلاة الظهر. فكان الركعتين من الظهر تقابل السعي والخطبة (٢). ولا شك في اختلاف ذلك ولا يناقض هذا بتخيير المسافر بين الصوم والفطر وتفويض ذلك إلى مشيئته لأنه لا إسقاط ها هنا، والعبادة ثابتة. وإنما خيّر المكلف بين تعجيل يستفيد منه طيبَ نفسه بمساواة المسلمين في الصوم، (٣) وتأخير يستفيد منه تخفيف مؤونة السفر. وهذا أيضًا كالمختلف. والرخصة في السفر إسقاط عدد. وحقيقة الإسقاط من العدد ينافي إكمال المعدود. فكان ظاهر إسقاط الشرع ببعض العدد وجوب الاقتصار على الباقي منه لأن العدول عن (٤) إيجاب الاقتصار لا يمكن إلا برد الإسقاط. وإسقاط الشرع لا سبيل إلى رده. وهذا المعنى المفرق بين إسقاط العدد والتقديم والتأخير يورد جوابًا أيضًا لمن قال بتخيير المسافر في الصلاة قياسًا منه ذلك على الصوم والفطر.

ومما يعتمد عليه أيضًا من قال إن القصر فرض، إن التخير ما بين أقل الشيء وأكثره لا يمكن. لأن الأول حاصل على كل حال. والزيادة لا معنى لها.

ولو جرى هذا في حقوق العباد لعُدّ مختار الأثقل مع الإباحة للاقتصار على الأقل خارجًا عن الحكمة. وحقوق الله سبحانه مبنية على الحكمة. فكان لا معنى للتخيير بين الأقل والأكثر. وإن نوقض هذا بالتخيير بين الجمعة والظهر في حق المملوك فقد أجبنا بأن ذلك ليس بتخيير بين أقل وأكثر بل بين مختلفين.


(١) وهبها يملك الولاية -و-.
(٢) تقام للسعي والخطبة -و-.
(٣) في الصوم = ساقطة -و-.
(٤) بياض في -و-.

<<  <  ج: ص:  >  >>