في بلد ليس به أهل فإنه يجري في الإتمام وقطع الاتصال مجرى ما ذكرناه في النازل بقريته. ولو كان الأهل مع الإنسان في حال سفره، لم يرفع ذلك حكم السفر. قال مالك يقصر النواتية وإن كان معهم الأهل والولد. وقالت الشافعية وعطاء وأيوب: ليس له القصر، ورأوه كالمقيم في بيته (١).
وإذا خرج المسافر لقصر ثم انثنى راجعًا إلى بيته في حاجته قبل أن يسير ما تقصر فيه الصلاة، فقد اختلف في إتمامه في رجوعه. فقال مالك يتم في رجوعه.
وفي الموازية أنه يقصر في رجوعه. فوجه الإتمام أن سيره راجعًا خلاف سيره متوجهًا فلا يضاف أحدهما إلى الآخر. وإذا لم يضف الرجوع إلى السير وجب أن يتم في الرجوع. ألا ترى أن من خرج لسفر مبلغه بريدان ونيته أن يعود من فوره فإنه لا يقصر لأجل أن حركات السير لا تضم إلى حركات الرجوع.
ووجه القول بالقصر أن الرجوع ليس بإسقاط لحكم السفر، لأنه إنما رجع لحاجة لا رجوعًا عن السفر. وإذا ثبت حكم السفر ولم يحدث ما يكون رجوعًا عنه بقي على أصل السفر فيكون حكمه القصر.
ولو كان رجوعه عن السفر بغير اختياره فقد قال مالك فيمن سافر في البحر أميالًا ثم ردته الريح أنه يتم الصلاة. فهذا حكم صلاة هذا الراجع عن سفره حال رجوعه.
وأما حكم صلاته إذا دخل المكان الذي رجع إليه فإنه لا يخلو أن يكون له بها أهل أو لا أهل له بها. فإن كان له بها أهل فإنه يتم لأن موضع القرار والسكنى يرفع حكم السفر. وإن كان لا أهل له بها وكان قبل خروجه منها يقصر فيها، فإنه يقصر الآن في هذا الحلول الثاني بها، لأنه لم يحدث بعد قصره الأول حادث يوجب رجوعه إلى الإتمام.
فإن كان يتم بها قبل خروجه عنها فهذا أصل مختلف فيه في المذهب.
ففي الموازية فيمن نوى المقام بقرية أربعة أيام فاتم ثم خرج إلى بقية سفره وفيه أربعة برد فلما صار ميلين رجع في حاجة فإنه يقصر في رجوعه وفي دخوله حتى
(١) فيمن كان مقيمًا في سفينة في أهله وماله يستحب له الإتمام ويجوز له القصر. وقال أحمد والحسن وعطاء. صح - تعليق بهامش -و-.