للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الأسلوب أيضًا من قدم مكة ينوي المقام بها وهو يريد الحج وليس بينه وبين والخروج إلى مني إلا أقل من أربعة أيام. فقد اختلف فيه فقال مالك في مختصر ابن شعبان يتم الصلاة بمكة في هذا الحلول الأول. وقال محمَّد ابن مسلمة بل. يقْصُر فيه لأنه إنما قدم مختارًا يريد المقام بعد الرجعة. فهذا أيضًا لمّا حل هذا الحلول لم يكن له حكم الإقامة ولكنه عازم على مقام ثان بعد الخروج عن هذا الحلول الأول. واختلف في ضم الحلول الأول إلى الثاني فمن ضمه إليه أتم الصلاة فيه. ومن لم يضمه إليه، وعدّ الخروج عنه فاصلًا بينه وبين الثاني قصر الصلاة. لأن الحلول الأول لم يجب فيه الإتمام من قبل نفسه لقصوره على الأربعة أيام ولا يكتسب الإتمام من الحلول الثاني للفاصل الذي بينهما. وهذا الفاصل وإن لم يكن سفر أربعة بُرد فإنه ها هنا يُعد فاصلًا بخلاف الخروج للاعتمار من أميال يسيرة بنية العودة إلى مكة، فإنه لا يكون فاصلًا بغير خلاف. لأنه حكمه كحكم المقام. وها هنا لما كان الحلول الأول حكمه القصر ووقع الإشك الذي تلفيقه إلى حلول حكمه (١) الإتمام، فصل بينهما الخروج المذكور حسن فيه الخلاف.

ومما يلحق بهذا الفصل ما كنا قدمناه من أن المكي يقصرُ بمنى وعرفة وإن لم تكن تلك مسافة قصر. وعللنا ذلك بعلتين: إحداهما أن عمل الحاج لا ينقضي إلا في أكثر من يوم وليلة مع التنقل اللازم فجرى ذلك مجرى السير الدائم مبلغ الأربعة برد. والثانية أن الخارج من مكة إلى عرفة يلزمه الرجوع إلى مكة بالشرع. وهو مقدار سفر القصر فصار كسير لا رجوع فيه. ولا يلزم على هذا التعليل العَرفي (٢) إذا وقف وتوجه إلى مني فإنه لا يقصر لأن مسافته ليست مسافة قصر والرجوع لا يلزمه. وإذا كان قد روي عن ابن القاسم في العَرَفي (٢) والمَنَوي (٣) يُفيضان، يقصر العَرفي ويُتم المَنَوي إلى منى. ووجهه أن المنوي بعد الإفاضة يرجع إلى وطثه والعَرفي يرجع إلى مكة إلى غير وطنه لإتمام حجه فيقصر. فإذا فرع من مني إلى عرفة لم يقصرُ لانقضاء حجه. وقد قال مالك


(١) حكم - قل.
(٢) نسبة إلى عرفة.
(٣) نسبة إلى مني.

<<  <  ج: ص:  >  >>