لم يبعد أن يكون البارئ سبحانه يجعل الختم على القلب في هذا المقدار من الجرم دون ما انحط عنه. ألا ترى أنه قيد في الترمذي بقوله تهاونًا ولو تركها غير متهاون لكنه مختار للترك لكان آثمًا. ولكن تركها تهاونًا أشد قبحًا. فلم يبعد تعليق هذا الوعيد به.
وهكذا تقييده في حديث جابر بقوله: فمن تركها استخفافًا بحقها وتهاونًا بها إنما ذلك أيضًا لكون المستخف المتهاون أعظم جرمًا ممن لم تكن حاله كحاله. والذي خرجه النسائي من غير ضرورة أوسع من تقييد الذنب. لأن المختار الذي ليس بمتهاون تارك من غير ضرورة فإنما قيّد في النسائي بعدم الضرورة لا غير لما كان المضطر غير ملوم في كثير من الأمور. وقد قال ابن حبيب شهود الجمعة فريضة. ومن تركها مرارًا من غير عذر لم تجز شهادته.
فأنت تراه كيف علّق سقوط الشهادة بتركها مرارًا مع إشارته إلى أن المرة الواحدة فرض لكن لما اختلف مقدار الجرم فكان في المراد أعظم من المرة الواحدة حسن تقييده به. واقتفى في هذا التقييد أثر الحديث المقيّد فيه بالثلاث، لاختلاف مقدارها من مقدار المرة الواحدة على ما بيناه.
وقال ابن سحنون: أجمع المسلمون على إيجاب الجمعة وتنازعوا زوال فرضها إذا كان الإِمام غير عدل.
والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: صلاة الجمعة فرض على الأعيان. وما قدمنا من الظواهر الدالة على كونها فرضًا على الجملة دليل كونها على الأعيان. ألا ترى قوله تعالى:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}. خطاب عام لسائر المؤمنين. وكذلك النهي عن البيع خطاب عتمَ جميعهم. فلو كان فرض الجمعة ساقطًا عن بعضهم لسقط تحريم البيع عليهم. وإن كان قد يجاب عن هذا بأنه قد يمكن ألا تجب الجمعة ويمنع البيع. والتعبد (١) بهذا غير ممتنع على ما نشير إليه في موضعه إن شاء الله. وكذلك أيضًا ما قدمناه من قوله- صلى الله عليه وسلم -: الرواح حق على