والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال: اختلف العلماء في الفرض يوم الجمعة. فعندنا أن الواجب بالزوال صلاة الجمعة لا الظهر وهو أحد قولي الشافعي، وله قول آخر أن الواجب بالزوال الظهر، ويلزم إسقاطها بالجمعة.
فالحجة للقول بأن الواجب الجمعة الاتفاق على أنه مأمور بفعلها. وأنه غير غير بين فعلها وفعل الظهر. وذلك يقتضي تعيين وجوبها وأن الوقت لها.
ومحال أن يكون الوقت للظهر ويحرم فعل الظهر. في هذا تناقض لا يصح. وأما من قال: إن الواجب الظهر فإنه قاس يوم الجمعة على سائر الأيام. وأيضًا فإن من فاطه الجمعة انتقل إلى الظهر. فلو لم تكن الظهر فرض الوقت لما انتقل إليه. وإنما أمِر بفعل الجمعة إسقاطًا لفرض الوقت الذي هو الظهر كما يؤمر من رأى في وقت الظهر غريقًا أن يسعى لتخليصه ويترك الظهر، وإن كان الوقت لها. وهذا الاختلاف تظهر ثمرته فيمن صلّى الظهر قبل صلاة الإِمام الجمعة، وسنتكلم عليه في موضعه إن شاء الله تعالى. وكذلك أيضًا اختلف الناس في صلاة الجمعة. هل هي صلاة (١) الظهر مقصورة أوصلاة غير الظهر؟ فقال الشافعي هي الظهر مقصورة ورأى أن الجمعة ظهر قصرت لأجل الخطبة.
ويستدل بأن الوقت الواحد في الشرع جعل سببًا لفرض معين في عموم الأوقات كما في سائر الصلوات. والزوال وقت اَلظهر فتكون الأيام كلها فيه متساوية. وقد تقصر الصلاة لأسباب. كصلاة السفر. فغير بعيد أن تقصر لأجل الخطبة، أو مشقة قطع إلى سافة إلى الجامع. ومذهب الحنفيين أن الجمعة صلاة غير الظهر.
ويستدلون بأن للجمعة شروطًا ليست للظهر. والفرض الواحد لا يختلف باختلاف شروطه. لكن الشروط تختلف باختلاف الفروض، ألا ترى أن الأوقات اختلفت لما كانت شروطًا في أداء الصلوات، فتظهر ثمرة هذا الاختلاف في بناء فعل الظهر على تكبيرة الإحرام. وسنذكره في موضعه إن شاء الله. وعند ذكرنا له يظهر مذهبنا في هذا الأصل.
قال القاضي أبو محمَّد رحمه الله تعالى: وشروط وجوبها ستة: البلوغ والعقل والذكورية والحرية.