ومما يدلك أيضًا على أنه لم ير نفسه مؤهلًا للاجتهاد المقيد ما ذكره في قراءة صلاة الشفع. قال: وقد كنت في سن الحداثة، وعمري عشرون عامًا وقع في نفسي أن القراءة في الشفع لا يستحب تعيينها إذا كانت عقب تهجد بالليل.
وأن الاستحباب إنما يتوجه في حق من اقتصر على شفع الوتر. فأمرت من يصلي التراويح في رمضان أن يوتر عقيب فراغه من عدد الأشفاع، ويأتي بجميع مقروءاته بالحزب الذي يقوم به فيه ويوتر عقيبه. فتمالأ المشائخ المفتون حينئذ على إنكار ذلك واجتمعوا بالقاضي. وكان ممن يقرأ علي. ويصرف الفتوى فيما يحكم به إلى. فسألوه أن يمنع من ذلك. فأبى عليهم إلا أن يجتمعوا لمناظرتي على المسألة فأبوا، فأبى. واتسع الأمر وصارت المساجد تفعل كما فعلت. وخفت اندراس ركعتي الشفع عند العوام إن لم تخص في رمضان بقراءة فرجعت إلى المألوف. ثم بعد زمن طويل رأيت أبا الوليد الباجي أشار في كتابه إلى الطريقة التي كنت سلكت. فذكر في بعض كتبه قول مالك في الشفع: ما عندي فيه شيء يستحب القراءة فيه. فقال: هذا يدل على أن الشفع من جنس سائر النوافل. قال وهذا عندي لمن كان وتره واحدة عقيب صلاته بالليل. فأما من لم يوتر إلا عقيب الشفع فإنه يستحب له أن يقرأ في الشفع: بسبح، وقيل يا أيها الكافرون. فأنت ترى أن أبا الوليد كيف فصل التفصيل الذي كنت اخترته (١).
إن هذا النص يعلن فيه الإِمام المازري عن ابتهاجه بأن فتواه في سن الحداثة قد وافقت تحقيق الشيخ أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي. والباجي ما كانت رتبته إلا رتبة أهل التطبيق أو الترجيح. فلو كان المازري يشعر أنه أعلى منه درجة في الفقه لما ابتهج هذا الابتهاج. رغم أنه في نهاية الفصل ضعف رأيه ورأى أب الوليد معًا.