للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من فرضه أربعًا خلف من يصلي الجمعة. ويصح أن يصلي المُتِمّ وراء المقصر.

فكان أبا الوليد لما رأى اختلاف الفرض من ناحية العدد لا يمنع الاقتداء لم ينقل الإِمام عن حكم القصر (١) لصحة الاقتداء به وهو قاصر. ولما كان لا يصح الاقتداء به وفي إيجاب الجمعة عليه نظر وليس في نص الرواية ما يدل على وجوب ذلك وإنما نص المدونة قال مالك: في الأمير المؤمر على بلد من البلدان يخرج في عمله مسافرًا أنه إن مرّ بقرية من قراه (٢) تجمع في مثلها الجمعة *جمع بهم الجمعة وكذلك إن من بمدينة من المدائن في عمله جمع بهم الجمعة* (٣). ثم قال: وإنما كان للإمام أن يجمع في القرى التي تجمع الجمعةْ في مثلها إذا كان في عمله وإن كان مسافرًا، لأنه إمامهم. فيحتمل أن يكون قوله: جمع بهم الجمعة إن اختار صلاتها. ويكون إذا اختار ذلك لأولى بالإمامة. وقد قال أبو الوليد: المستحب أن يصلي بهم الإِمام دون الوالي فإن صلّى الوالي جازت الصلاة. وقال غيره معتلًا لما في المدونة أن الإِمام إذا وافق الجمعة لم ينبغ له أن يصليها خلف عامله. وقد جمّع عمر رضي الله عنه الجمعة بأهل مكة وهو مسافر. فأنت ترى المدونة ليس فيها نص صريح بالإيجاب. بل قوله في المدونة: وإنما كان للأمام أن يجمّع، ظاهره ما قلناه من نفي الإيجاب.

لأن قول القائل لزيد أن يفعل كذا، ليس بنص في الإيجاب. وإنما لفظ الإيجاب أن يقول: عليه أن يفعل كذا. فلو أراد مالك الإيجاب لقال: وإنما كان على الإِمام أن يجمّع. وهكذا أورد مالك المسألة في موطئه بلفظ ليس بصريح في الإيجاب أيضًا. وإنما يتضح الإيجاب لو كان المكان قد صار بحلول الإِمام فيه وطنًا له، ولكنه لو صار كذلك لأتم الصلاة. ولما أحس أبو الوليد الباجي بالمناقضة بالقصر أشار إلى الفرق الذي ذكرناه عنه. وبالجملة فإن في إيجاب الجمعة على هذا الإِمام نظر عندي.

وأما لو كانت هذه القرية مما لا يجمع فيها فجمّع الإِمام بهم لما حلّ فيها


(١) القصر = ساقطة -و-.
(٢) قرى - قل.
(٣) ما بين النجمين = ساقط -و-.

<<  <  ج: ص:  >  >>