للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك - فكلها تستعمل السُنَّة بمعنى تعاليم الشريعة .. والأدلَّة على ذلك كثيرة (١).

وفي كثير من الأحاديث جاءت كلمة السُنَّة في مقابلة القرآن أو معطوفة على كلمة الكتاب، والمقابلة والعطف يقتضيان المغايرة غالباً، فمن الطبيعي أنْ تحمل على معنى مُسْتَقِلٍّ يغاير المعنى الأول - الذي هو تعاليم الشريعة وقد فُسِّرَ بالوحي غير المَتْلُوِّ، وغير المُعْجِزِ الذي كان ينزل على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والذي عرف لدى العلماء بالحديث.

وهذا التفسير أَخَصُّ من التفسير الأول .. ويمكن القول بأنه متى اجتمعا افترقا، وحيث يكتفى بذكر السُنَّة تشمل الاثنين معاً، وقد جاءت الأحاديث بالمعنى الثاني كما جاءت بالمعنى الأول ..

بهذين المعنيين عرفت كلمة السُنَّة في الرعيل الأول، وبهما اصطبغت الكلمة في المفهوم الإسلامي في عصر النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعصر الصحابة، والتابعين، ثم بدأت تأخذ مفهوماً أَخَصَّ، حيث إنَّ علماء التشريع الإسلامي بدأت نظراتهم تختلف في مدلول كلمة السُنَّة تَبَعاً لاختلاف الموضوع الذي يَحُثُّ فيه كل فريق منهم ..

فهي عند المُحَدِّثِينَ - على ما ذهب إليه جمهورهم: أقوال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأفعاله وتقريراته، وصِفَاتِهِ الخَلْقِيَّةِ والخُلُقِيَّةِ، وسِيَرِهِ ومغازيه، وبعض أخباره قبل البعثة، مثل تَحنُّثِهِ في غار حراء، وحُسْنُ سِيرَتِهِ، وأنه كان أُمِيًّاً، وما إلى ذلك من صفات الغير وحُسْنُ الخُلُقِ (٢).

وتعريفهم هذا مَبْنِيٌّ على عنايتهم بإثبات (٣) وتصحيح كل ما يتَّصِل بالنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أقوال أو أفعال، أو تقريرات، وخُلُقٍ وسيرةٍ، وشمائل، وأخبار، سواء أثبتت أحكاماً شرعية أولا .. وهو مستمدٌّ من تفسير السلف للسُنَّة بأنها آثار رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ..


(١) انظر: المرجع السابق.
(٢) " الحَدِيثُ والمُحَدِّثُونَ ": ص ١٠، وانظر " مجموع فتاوى " شيخ الإسلام ابن تيمية: ١٠/ ١٨، و " إرشاد الفحول ": ص ٣٣، و " السُنّة قبل التدوين ": ص ١٦، و " السُنَّة ومكانتها في التشريع ": ص ٥٩، و " السُنَّة النبوية ومكانتها " عباس متولى حمادة: ص ٢٣.
(٣) " الوضع في الحديث ": ١/ ٣٧ بتصرف.

<<  <   >  >>