للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معناها «تقاليد المجتمع» أو «الأعراف السائدة» لأَنَّ تلك المزاعم تخالف مخالفة جذرية ما دلَّت عليه النصوص القطعية، والتي يُفَسِّرُ بعضها بعضاً.

وقد روى أحمد بسند صحيح عَنْ سَالِمٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يُفْتِي بِالَّذِي أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الرُّخْصَةِ بِالتَّمَتُّعِ، وَسَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، فَيَقُولُ نَاسٌ لابْنِ عُمَرَ: كَيْفَ تُخَالِفُ أَبَاكَ وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عَبْدُ اللهِ: وَيْلَكُمْ، أَلاَ تَتَّقُونَ اللهَ، إِنْ كَانَ عُمَرُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَيَبْتَغِي فِيهِ الْخَيْرَ يَلْتَمِسُ بِهِ تَمَامَ الْعُمْرَةِ، فَلِمَ تُحَرِّمُونَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَحَلَّهُ اللهُ، وَعَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، أَفَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا سُنَّتَهُ، أَمْ سُنَّةَ عُمَرَ؟ إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَقُلْ لَكُمْ إِنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَرَامٌ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَتَمَّ الْعُمْرَةِ أَنْ تُفْرِدُوهَا مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ (١).

وهذا القول من عبد الله بن عمر: «أَفَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا سُنَّتَهُ، أَمْ سُنَّةَ عُمَرَ؟» فصل في هذه القضية، حيث مايز بين قضيتين مُختلفتين تماماً، أثبت للأولى حق الاتباع .. ولو كان العُرف الشائع أو تقاليد المجتمع هُما السُنَّة، فكيف نُفَسِّرُ قول ابن عمر هذا؟!.

وبهذا يتَّضحُ أنَّ هذا الزعم الذي افتراه المُسْتَشْرِقُونَ مردودٌ عليهم، وفي هذا يقول المرحوم الشيخ أحمد شاكر (٢): فلم يكن اتِّباع سُنَّة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

عند المسلمين عن عادة اتِّباع الآباء، وقد نعاها الله على الكفار نعياً شديداً، وتوعَّد عليها وعيداً كثيراً، وأمر الناس باتِّباع الحق حيثما كان، واستعمال عقولهم في التدبر في الكون وآثاره، ونقد الصحيح من الزيف من الأدلة، وإنما كان حرص المسلمين على سُنَّة رسول الله اتِّباعاً لأمر الله في القرآن:

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (٣).

{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (٤).


(١) أحمد: ٨/ ٦١ (٥٧٠٠) تحقيق أحمد شاكر.
(٢) " دائرة المعارف الإسلامية ": ١٣/ ٤٠١ - ٤٠٢. بتصرف.
(٣) [الأحزاب: ٢١].
(٤) [النور: ٦٣].

<<  <   >  >>