لسماحة الشيخ الدكتور: على جمعة؛ أستاذ أصول الفقه، جامعة الأزهر.
كيف نتعامل مع التراث:
هناك مداخل مختلفة للتعامل مع قضية التراث الإسلامى، منها: نشر ذلك التراث الثرى الذى قامت به قديما المطبعة الأميرية، وغيرها فى القرن الماضى، حيث قاموا بتصحيح النص بصورة واضحة، قابلة للفهم، واضطلع بهذه المهمة؛ أعلام المصحيحين، من أمثال: الشيخ نصر الهورينى، والشيخ قطة العدوى، وغيرهم من مصححى المطابع الأميرية، الذين بلغوا من الدقة والعلم، والضبط لدرجة كبيرة، حتى اعتبروا أن النسخة المطبوعة مثل المخطوط؛ بل أصح، حتى لم يعد عندهم حاجة لهذه المخطوطات، فهلك أغلبها للأسف الشديد، فكم من مخطوطة طبعت ولا نجد لها أثرا فى مصر، مثل مخطوطات كتاب (إرشاد الفحول) للشوكانى، وغيره من الكتب؛ لأنهم بعد ما استعملوا المخطوطة، لم يهتموا بها، فضاعت فى المطابع بين أيد الطابعين؛ فهذا يمكن أن يطلق عليه نشر التراث.
أما مقارنة النسخ، وخدمة النص، وفهرسته، والتعامل معه؛ بحيث ييسر ونصل به إلى أقرب صورة كان يريدها المصنف، ونخدمه تعليقا، وشرحا لغريبه وعزوا لآياته وتخريجا لأحاديثه؛ فهو ما يسمى بتحقيق التراث.
وتحقيق التراث بهذه الصورة، ينبغى أن لا نقف عنده، ونعتبره غاية المرام؛ بل لا بد من أن نرقى إلى مرحلة أخرى نستفيد فيها من التراث: نحلل مناهجه، ونصوغها، ونبنى عليها، ولا نقف عند مجرد مسائله.