وقيام الناس من القبور، فهذا باطل، يرده ما تقدم من الأدلة وأمثالها مما لم يذكر، وإن أردتم أنها لم يكمل خلق جميع ما أعد الله فيها لأهلها، وأنها لا يزال الله يُحدث فيها شيئاً يعد شيء، وإذا دخلها المؤمنون أحدث فيها عند دخولهم أموراً أخر - فهذا حق لا يمكن رده، وأدلتكم هذه إنما تدل على هذا القدر.
وأما احتجاجكم بقوله تعالى:(كل شيء هالك إلا وجهه)[القصص: ٨٨] ، فأتيتم من سوء فهمكم معنى الآية، واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن - نظير احتجاج إخوانكم على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما!! فلم توفقوا أنتم ولا إخوانكم لفهم معنى الآية، وإنما وفق لذلك أئمة الإسلام. فمن كلامهم: أن المراد (كل شيء) مما كتب الله عليه الفناء والهلاك (هالك) ، والجنة والنار خُلِقتا للبقاء لا للفناء، وكذلك العرش، فإنه سقف الجنة.
وقيل: المراد إلا مُلْكَه. وقيل: إلا ما أريد به وجهه. وقيل: إن الله تعالى أنزل: (كل من عليها فان)[الرحمن: ٢٦] ، فقالت الملائكة: هلك أهل الأرض، وطمعوا في البقاء، فأخبر تعالى عن أهل السماء والأرض أنهم يموتون، فقال:(كل شيء هالك إلا وجهه)[القصص: ٨٨] لأنه حي لا يموت، فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت. وإنما قالوا ذلك توفيقاً بينها وبين النصوص المحكمة، الدالة على بقاء الجنة، وعلى بقاء النار أيضاً، على ما يُذْكَر عن قريب، إن شاء الله تعالى". (١)
(١) شرح الطحاوية: ص ٤٧٩/ وراجع في هذه الموضوع: (بقظة أولى الاعتبار لصديق حسن خان ص: ٣٧، وعقيدة السفاريني: (٢/٢٣٠) .