للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدلت الآية على أن المنافقين كفار في الواقع وإن كانوا في الظاهر يتظاهرون بالإسلام، ودلت أيضا على أن الكفر يكون بكل ما ينقض التصديق والمعرفة بلا إله إلا الله، إلا ما ورد التخصيص بكونه لا يخرج من الإسلام كبعض الذنوب، ما لم يستبح الإنسان فعل ما حرم الله، فمن أباح المحرم أو حرم المباح، فقد كفر بما أنزل الله على رسوله، حيث يعد فعله هذا استدراك على الله وتجهيل للبارئ عز وجل فيما شرع وأنزل، وهذا من أشد أنواع الكفر وأقبحها (١).

فإذا كان في هاتين الآيتين المتقدمتين تكفير لأناس ينطقون بالشهادتين، ويؤدون أركان الإسلام، ويخرجون للجهاد فيه، وبمجرد قولهم لكلمات قليلة في الباطل، حكم الله عليهم بالكفر، فأين موقع أهل زماننا الذين جعلوا السخرية بالدين وأهله مادة لهم في صحفهم، وإذاعاتهم، ووسائل أعلامهم عامة، ولم يكتفوا بذلك، بل شنوا حرب الإبادة والتنكيل على كل مسلم غيور، وحاصروه في كل صقع من أصقاع الأرض، إن تلك الأدلة المتقدمة سقناها إلى الذين يحسبون الإسلام تمتمات جوفاء وهمهمات خاوية ناسين أو متناسين أن الإيمان هو ما وقر في القلب وصدقة العمل (٢).

وحول هذا المعنى يقول الشاعر سليمان بن سحمان الدوسري ما يلي:

أو ما ترى أن القلوب إذا امتلت ... حبا وإيمانا لها أنوار

ولها بذلك غيرة فتغار من ... رؤيا المعاصي والسعيد يغار

إظهار هذا الدين تصريح لهم ... بالكفر إذ هم معشر كفار

وعداوة تبدو وبغض ظاهر ... يا للعقول أما لكم أفكار


(١) انظر تفسير القرطبي (٨/ ٢٠٧).
(٢) انظر في هذا المعنى كتاب الإيمان وأثره في نهضة الشعوب يوسف العظم (١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>