إن مفتاح القلوب لإدخال الحب والألفة والتعاون والتناصر بين الناس، يكمن في الانتماء إلى هذا الدين، وفهمه فهما مستقيما والعمل به قولاً وفعلاً، قال تعالى:(وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الأنفال: ٦٢، ٦٣].
فلا ألفه ولا تعاون ولا تناصر، إلا بتعميق مفهوم الإيمان في النفوس، ولنا في هذا تجربة فريدة مضيئة سوف تبقى مثلا أعلى ما بقيت الحياة فقد كانت حياة العرب قبل الإسلام أشبه بحالنا اليوم من الفرقة والقتال والتناحر والخصام والأنانية، وحب الذات، وعدم التمييز في النصر بين الظالم والمظلوم، وعدم الإيثار، والتضحية للمضطهدين والمحتاجين والمشردين من الضعفاء والمساكين، وعندما شع نور الإسلام في قلوب أولئك القوم قلب أفعالهم وأقوالهم رأسا على عقب فاستيقظوا بعد الضلالة والعمى وأدركوا أن التآخي في الله ليس مجرد شعار في كلمة يجرونها على ألسنتهم وتتناقلها أفواههم وإنما هو حقيقة عملية يتصل بواقع الحياة، وبكل أوجه العلاقات القائمة من تعاون وتناصر، وتناصح وإيثار ومحبة، وقد قام بتطبيق ذلك تطبيقا عمليا كل من المهاجرين والأنصار، رضوان الله عليهم، ثم تبعهم على ذلك عامة المسلمين على درجات متفاوتة.
وهذا يؤكد لنا أن مناط التآخي والمحبة والتناصر بين المسلمين هو فهم الإسلام فهما صحيحا، وتطبيقه تطبيقا تاما كما فهمه وطبقه أولئك الصفوة الأفاضل الأبرار، بلا تردد أو مداهنة أو احتيال (١).
إن الفهم الحقيقي للإسلام، هو الذي ينبعث منه شعور صادق يحل
(١) انظر فقه السيرة د/ محمد سعيد رمضان البوطي (١٥٦ - ١٥٩).