فالأخوة المعتصمة بحبل الله، هي الأخوة التي تؤلف بين المسلمين بغض النظر عن مراكزهم، وألوانهم وبلادهم وكان بعضهم يقرأ الآية أو الحديث فيفهم منه فهما معينا، ويفهم غيره فهما آخر، فيناقش كل صاحبه بالتي هي أحسن، فإن كانت النتيجة اتفاقا حمدًا الله تعالى، وإن كانت الأخرى عذر كل صاحبه، وانصرفا صديقين متحابين.
وكان من أثر ذلك في علاقة بعضهم ببعض، نمو روح التسامع فيما بينهم، وقوة المحبة والأخوة في الله وفي سبيل الحق، والتعاون عل كل ما يوصل إلى إرضاء الله تعالى، وإلى سعادة الأمة فبارك الله لهم في أعمارهم، وأعمالهم، وحفظها من أن تضيع في جدل عقيم، ومراء سقيم، ليس له من باعث سوى العناد للرأي، والانتصار للمذهب، مهما بعد عن الحق أو ظهر خطؤه (١).
لقد نفعهم الله سبحانه وتعالى بوحدة الكلمة والرأي، فسلموا من التخاصم والتحاسد، ومن كل ما يفسد القلوب، ويحبط الأعمال، فنفعهم الله بأعمالهم ونفع بها الأمة.
وها هي ذي آثارهم، لا زالت منارا يهتدي به من أراد سلوك طريقهم ونموذجا لمن وهبه الله الفقه في الدين وحرص على تحري الحق، وأراد أن ينفع كما نفعوا، ويثمر كما أثمروا ولعل من أسلوب نجاحهم أنهم كانوا جميعا يغترفون من نهر واسع الجنبات عميق الغور،
(١) انظر ما لا يجوز فيه الخلاف بين المسلمين عبد الجليل عيسى (٦).