وروي عن عبد الله بن جعفر قال: أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم خلفه فأسرَّ إلى حديثًا لاأحدث به أحدًا من الناس .. الحديث (١).
فهذه الأحاديث تدل على وجوب حفظ السر وهو نوع من الأمانة التي أمر الله بحفظها حيث يقول:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الأنفال: ٢٧] وقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)[المؤمنون: ٨].
ولذلك فإنه من أعظم الذنوب، أن يتظاهر المرء بالصلاح والتقوى والصدق والإخلاص فإذا استودعه أحد الإخوة في الله سرًا؛ أذاع به ونشره، إما لأنه منافق في الأصل من الذين (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون)[البقرة: ٩]، وإما لأنه من الذين يعبدون الله على حرف كما في قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)[الحج: ١١]، وإمَّا لأنه جهول لا يقدِّر حق الأمانة التي اؤتمن عليها فيبوح بأسرار إخوانه بلا وعي أو إدراك، وكل هذه الأمور سبب في إضعاف روح الموالاة والمناصرة بين الإخوة المؤمنين.
السبب الثامن: من أسباب تحقيق الموالاة في الله، مواساة الأخ لإخوانه بفضل ماله قال تعالى:(وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)[الحشر: ٩].
(١) رواه مسلم: انظر صحيح مسلم (١/ ٢٦٨، ٢٦٩) دار إحياء التراث.