للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالذي قال: قال الرجل: يا رسول الله ارسل إليه فاسأله لم يبغضني؟ قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لم تبغضه؟» قال: يا رسول الله أنا جاره وأنا به خابر، ما رأيته يصلي صلاة إلا هذه الصلاة التي يصليها البر والفاجر، فقال له الرجل: يا رسول الله سله هل أسأت لها وضوءا أو أخرتها عن وقتها فقال: لا ثم قال: يا رسول الله أنا له جار وأنا به خابر، ما رأيته يطعم مسكينا قط إلا هذه الزكاة التي يؤديها البر والفاجر، فقال: يا رسول الله سله هل رآني منعت منها طالبها؟ فسأله، فقال: لا، فقال يا رسول الله أنا له جار وأنا به خار، ما رأيته يصوم يوما قط إلا الشهر الذي يصومه البر والفاجر، فقال الرجل: يا رسول الله سله هل رآني أفطرت يوما قط لست فيه مريضًا ولا على سفر؟ فسأله عن ذلك، فقال: لا، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «فإني لا أدري لعله خير منك» (١).

وقد ورد في الحديث الصحيح النهي عن سوء الظن بالمسلم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» (٢) فإن المسلم بناء على ذلك مأمور بأن يحسن الظن بإخوانه، وأن يحمل ما يصدر عنهم من قول أو فعل على محمل حسن ما لم يتحول الظن إلى يقين جازم، فالله عز وجل أمرنا بالتثبت فيما يصدر من الغير نحونا ونحو إخواننا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: ٦] فكم أوقع سوء الظن السيئ من فراق بين المتحابين، وقطيعة بين المتواصلين، ولو لم يكن الظن على درجة عظيمة من الخطورة والأهمية في إضعاف روح الموالاة بين المؤمنين لما أكد الباري عز وجل على ذلك في الكتاب والسنة ومن استعراض الأسباب المتقدمة نجد أن ما أصاب المسلمين اليوم من قطيعة وتناحر وتنكر بعضهم للبعض الآخر، إنما هو بسبب تجافيهم عن الأخذ بالأسباب التي تحقق الموالاة في الله والتي أشرنا إليها فيما تقدم من هذا


(١) كنز العمال (٢/ ١٧٠) وانظر حياة الصحابة (٢/ ٥١٣، ٥١٤).
(٢) رواه البخاري انظر فتح الباري (٩/ ١٩٨) باب النكاح (٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>