للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضير في ذلك علي ثم دنا منه وقبل رأسه، فأمر الملك بإطلاق سراحه وسراح جميع المسلمين المأسورين لديهم (١).

إن هذا البطل المسلم المجاهد قد أضاف بعمله هذا مجدا إلى بطولاته العظمى في الإسلام حيث لم يدفعه هذا الترغيب والترهيب حب السلامة لنفسه فقط، ولم يطغ حب الذات أو حب المنصب أو حب المال أو الجاه على حب الله، ولم يخضع إلى الإغراءات المادية والمعنوية التي أراد ملك النصارى أن يرجعه بها عن الإسلام، رغم عظمة الإغراء وهول الموقف، لقد رفض أن يقبل رأس هذا الكافر إلا إذا كان ثمن هذه القبلة جميع أسارى المسلمين.

إنها قبلة ما أعظم ثمنها وأجل قدرها.

ولكن شتان بين الأمس واليوم، لقد أصبح المسلمون اليوم يتسابقون إلى تقبيل السفاحين لدماء المسلمين من الكفرة والمرتدين أمثال بيغن وريغان، وبريجنيف، ورؤساء الأحزاب البعثية والماسونية في البلاد العربية، لقد قبل عبد الله بن حذافة السهمي رأس ملك الروم بعزة واستعلاء بعد أن أملى عليه شروطه، أما مدعي الإسلام اليوم فيقبلون رءوس الطواغيت وهم أذلاء صاغرون يقبلونهم وقد سلبوهم دينهم إن كان لديهم بقية من دين يقبلونهم وقد عاثوا في أرض الإسلام والمسلمين بكل أنواع الجرائم والمنكرات، ونهبوا خيرات البلاد، وشردوا الملايين ممن يدعونه أخوتهم إن كانوا يعرفون للأخوة معنى، ومع ذلك يقبلونهم بأفواههم، وترتجف لمحبتهم قلوبهم، وتشهد على مودتهم للكفار أفعالهم.

أما عبد الله بن حذافة السهمي فقد قبل حاكم الروم وقلبه يكاد ينفجر غيظًا وعداوة له ولكنه الإكراه الذي عذر الله المسلم فيه أن يقول كلمة


(١) انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (٣/ ١٤٢، ١٤٤) وانظر صور من حياة الصحابة د/ عبد الرحمن رأفت الباشا (١/ ٥١ - ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>