للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الآية نزلت في المسلمين بسبب بغضهم للكفار وهو بغض مأمور به المسلم، فكيف بمن أبغض مسلما بتأويل أو شبهة أو هوى وآذاه على ذلك، ألا يكون هذا مرتكبا لإثم عظيم وذنب كبير (١) قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: ٥٨].

فلا نكفر أحدا من مدعي الإسلام بذنب دون الشرك، ولا نخرجه من دائرة الإسلام بارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب، ما لم يستبح لنفسه أو لغيره فعل المحرم أو تحريم المباح (٢).

وخلاصة القول في ذلك أن الخلاف في مسألة أصولية يوجب كفر المخالف للحق وعداوته كعداوة الكفار سواء بسواء.

أما الخلاف في مسألة فرعية باجتهاد أو تأويل يعتقد المخالف صحته فلا يكفر بذلك، وحينئذ لا تصح معاداته كمعاداة أهل الكفر، بل يوالى على قدر ما معه من الخير ويبغض على قدر ما معه من الشر، ويجوز وصف المخالف في المسائل الفرعية في خلاف التضاد بالخطأ والبعد عن الحق ولكنه لا يوصف بالكفر أو يعادى معاداة الكفار، ما لم يكن هذا الخلاف مبنيا على الهوى والتأويل المجرد من الدليل، فإذا كان بهذا الوصف فإن أول ما يجب على صاحب الحق في حق من خالفه أن ينصحه ويبين له الدليل بيانا شافيا كافيا، بعد أن يوضح له الخطأ فيما ذهب إليه من قول أو فعل أو اعتقاد وإن استمر على خطئه عامله معاملة العصاة والفساق من المسلمين، فيحبه على قدر ما معه من الخير ويبغضه على قدر ما معه من


(١) انظر ملحق المصنفات محمد بن عبد الوهاب (٥٢، ٥٣) وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٦/ ١٠٩، ١١٠).
(٢) انظر الدرر السنية (١/ ٢٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>