الجهاد قائلا: فإذا لم تحصل نكاية وجب الانهزام، لما في الثبوت من فوات النفس، مع شفاء صدور الكفار، وإرغام أهل الإسلام، وقد صار الثبوت في هذه الحال مفسدة محضة، ليس في طيها مصلحة (١) اهـ,.
وتقديم مصلحة النفس هنا ليس خاصا بالنفس فقط كما هو الظاهر بل إن ذلك هو مصلحة الدين أيضا، إذ المصلحة الدينية تقتضي في مثل هذه الحال أن تبقى أرواح المسلمين سليمة لكي يتقدموا ويجاهدوا في الميادين المفتوحة الأخرى.
حيث إن هلاكهم يعتبر إضرارًا بالدين نفسه، لأن ذلك سوف يفسح المجال أمام الكافرين ليقتحموا ما كان مسدودا أمامهم من السبل ويحتثوا أهل الإسلام من أساسهم، وخلاصة القول في هذه المسألة أنه لا يجوز للمسلم أن يعتزل المسلمين إلا وفق الشروط الخاصة التي تقدم ذكرها وهو وإن اعتزلهم عمليا لا يعتزلهم شعوريا في جميع تلك الحالات بل الواجب أن يكون مع المسلمين ومع أصحاب الحق منهم خاصة ولو بمشاعره فإن القلب لا سلطان لأحد عليه، كما يجب أن يعمل للإسلام في الميادين المفتوحة أمامه ولو سرا إذا كان الجهر بالدعوة والانتساب إليها مما يترتب عليه ضرر بالدعوة وأصحابها.
فالإسرار بالدعوة سنة عند الحاجة إلى ذلك فنوح عليه السلام دعا قومه سرا وجهرا قال تعالى:(ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا)[نوح: ٩].
(١) انظر قواعد الأحكام في مصالح الأنام، لعز الدين بن عبد السلام (١/ ٩٥).