للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى البغاة، ومعاملته لهم، وبين ما هو حاصل في معظم ديار الإسلام، فمن يدقق النظر في السلطات الحاكمة في أكثر البلاد الإسلامية يجد أنها بمقياس الإسلام سلطات كافرة فاجرة قد اغتصبت السلطة بتآمر مع أعداء الإسلام في الخارج ومع زمرة من المنافقين في الداخل، ولذلك فموالاة ومناصرة تلك الحكومات أمر باطل من الأساس، باعتبار أنها حكومات كافرة كفرًا بواحًا لا لبس فيه ولا غموض، ولذلك فتأييدها والسكوت عليها أمر مخالف للشرع فكيف بالدفاع عنها ومناهضة من يريد هدمها، فالواجب والحالة هذه إن كان الخارج عليها مثلها في الكفر والفسوق، أن يعتزل المسلم الجميع حتى يُهْلِكَ الله بعضهم ببعض قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (١) وقد يكون بعضهما أقل من بعض في الفسق والظلم ففي هذه الحالة إن لم يجد أفضل منهما يكون نصره وتأييده للأقل منهما في الظلم والفسق بناء على القاعدة الفقهية في درء أعظم المفسدتين بأدناهما (٢). وإن كان الإمام مالك بن أنس (رحمه الله) يرى عدم المشاركة في قتال البغاة للحكام الظلمة حيث يروى أن ابن القاسم سأل مالكًا عن قتال البغاة أيجوز قتالهم؟ فقال: إن خرجوا على مثل عمر بن عبد العزيز، قال: فإن لم يكن مثله؟ فقال: دعهم ينتقم الله من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما. فكانت الفتوى سببًا من أسباب محنته (٣).

وعلى هذا فليس كل من خرج على سلطة غير شرعية باغيًا بل قد يكون هو صاحب الحق والعدل ومن يقف في وجهه أو يحارب ضده هم البغاة ولكن رؤساء النظم الديكتاتورية في العصر الحاضر، كلما أحسوا بيقظة الشعوب وصحوتها واهتدائها إلى الطريق القويم والمنهج المستقيم، صبوا عليها صنوفًا من التنكيل وألوانًا من العقاب والعذاب ووصفوها بأنها


(١) سورة الأنعام آية (١٢٩).
(٢) انظر الأحكام السلطانية، للقاضي أبي يعلى الحنبلي ص٣٩.
(٣) انظر الإسلام بين العلماء والحكام/ عبد العزيز البدري ص١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>