للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنقول إن هذه النصوص قد ورد من الآيات ما خصصها أو نسخ حكمها فاقرأ إن شئت من أول سورة التوبة إلى نهاية الآية الثامنة والعشرين منها، تجد تحديدًا دقيقًا لطبيعة العلاقة مع الكفار، وهذا المقطع من تلك السورة من آخر ما نزل من القرآن الكريم حيث نزلت تلك الآيات في نهاية السنة التاسعة من الهجرة (١).

أما الكف عن القتال في مكة فهو لم يكن إلا مجرد مرحلة في خطة طويلة الأمد.

وهناك سبب آخر وهو أن حرية الدعوة وحرية إبلاغها للناس كانت مكفولة بحماية بني هاشم، حيث كان أبو طالب يحمي ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شر أعدائه، فكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يصدع بالدعوة، ويخاطب بها الآذان والعقول والقلوب، ولم يكن هناك سلطة سياسية منظمة وأجهزة بوليسية تمنع من الدعوة، أو تمنع الأفراد من سماعها، ومن ثم فلا يجوز اتخاذ تلك الفترة، حجة في ترك الجهاد ومسالمة الكفار، أو موادعتهم لأن قياس واقع المسلمين في العصور المتأخرة على تلك الفترة في مثل هذا الوجه أمر لا تتوفر فيه شروط القياس الصحيح.

إن من البديهيات التي يجب أن يدركها كل مسلم أن الكفار لم ولن يسالموا المسلمين أبدًا، وإن وجد شيء من ذلك نادرًا، فهو لا يصدر عن رغبة حقيقية في مسالمة الإسلام ومهادنة المسلمين، وإنما يكون نتيجة اضطرار واقعي إلى حين، وإلا فإنه متى شعرت قوى الكفر والضلال أن المعسكر الإسلامي في ضائقة تهدد وجوده، أو على الأقل تجعل الانقضاض عليه مأمون العاقبة في حقهم انقضوا عليه ومزقوه إربًا وهذا ما حصل للمسلمين في الأندلس فقد روى المقري أنه في ربيع الأول سنة (٨٩٧هـ)


(١) انظر في ظلال القرآن/ سيد قطب م٤ ج١٠ ص٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>