والذي أطمئن إليه مما تقدم فيما يتعلق بالحرم والحجاز والجزيرة العربية هو أن يعاملوا على النحو التالي:-
١ - منطقة الحرم كلها لا يجوز أن يدخلها مشرك سواء كان مسافرًا أم مقيمًا لدلالة النصوص المتقدمة على ذلك، وأرى ضعف ما ذهب إليه الأحناف، من جواز دخول الحرم عدا المسجد الحرام دخولاً مؤقتًا، لأن قولهم هذا عن اجتهاد ولا اجتهاد مع النص.
٢ - منطقة الحجاز والجزيرة العربية كلها يجوز للذميين والمستأمنين دخول الحجاز والجزيرة العربية بصفة مؤقتة، حيث كان النصارى يتجرون في زمن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بالمدينة وكان يضرب لمن قدم منهم تاجرًا مدة معلومة يلزمه مغادرة المدينة بعد انقضائها وهذا ما صرح به الحنابلة والشافعية والزيدية (١). ولعل هذا لا يتعارض مع منطوق الأحاديث التي تنهى عن دخول الحجاز وجزيرة العرب بحمل دلالة هذه الأحاديث على أن المراد بذلك السكنى الدائمة، لا المرور العابر أو الإقامة المؤقتة لعمل ما.
ولذلك فإنني مع من يقول بعدم جواز التصريح بالإقامة المستمرة في الحجاز والجزيرة العربية لغير المسلمين عملاً بظاهر الأحاديث الدالة على ذلك وما حصل من تقرير في إقامة أهل الذمة في اليمن وسواد العراق والشام، فإنما كان عن اجتهاد من الصحابة (رضي الله عنهم) ولمصلحة رأوا العمل بها في حينها مؤقتًا، وهو لا يعني أن هذا هو قرارهم النهائي في هذه المسألة، وأن إقرارهم لذلك إقرارًا نهائيًا. فقد روى الإمام أحمد أن عمر بن عبد العزيز أمر نائبه في صنعاء أن يهدم جميع الكنائس في اليمن فهدمها في صنعاء وغيرها من المدن، وكذلك فعل هارون الرشيد حيث أمر بهدم ما كان موجودًا في سواد بغداد، وكذلك فعل المتوكل حيث استفتى العلماء
(١) انظر أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام د/ عبد الكريم زيدان ص٩٣.